العرب في «قمة» العشرين؟!!

هاني عوكل
حجم الخط

تنعقد قمة مجموعة العشرين بعد يومين من تاريخ كتابة هذا المقال في مدينة هانغتشو الصينية، بحضور 25 دولة للتركيز في المقام الأول على موضوع "نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل"، لكن القمة لن تتناول بطبيعة الحال الموضوع الاقتصادي فقط.
على الرغم من أن مجموعة العشرين التي تأسست عام 1999 بسبب تداعيات الأزمات الاقتصادية التي شابت مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، والهدف منها تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي في العالم وإيجاد علاقة تحاورية بين الدول الصناعية والنامية، إلا أن هذا المنتدى الدولي بات اليوم ساحة لعديد النقاشات التي تتجاوز السقف الاقتصادي.
عدا عن الحديث حول ضرورات تجاوز الأزمة المالية العالمية الحالية، ودفع عجلة التنمية ونمو التجارة لتتجاوز سقف 2.8%، فإن أغلب الحديث سيتركز حول العلاقات الدولية والأزمتين السورية والأوكرانية، فضلاً عن موضوعات حساسة تشمل الإرهاب الدولي وتناميه واللاجئين وقصة "البوركيني" والحجاب ومنعهما في الغرب!!
لقد ظلت هذه العناوين تتربع على مختلف المحافل الدولية، سواء اقتصاديةً كانت أم سياسية، فكم استهلكت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية من الحديث حول موضوعي الإرهاب واللاجئين، وكم اختلف الغرب مع روسيا وحلفائها في موضوع سورية وأوكرانيا.
من بين الحضور في قمة العشرين المرتقبة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، طبعاً يتقدمهم رؤساء الدول الصناعية الكبرى وذات الثقل السياسي والاقتصادي مثل باراك أوباما وفلاديمير بوتين وأنجيلا ميركل.
على هامش هذه القمة ستعقد اجتماعات ثنائية وثلاثية وجماعية بالغة الأهمية، حيث سيلتقي أوباما نظيره التركي أردوغان، كما يلتقي الأخير بوتين، ومن المحتمل أن يكون هناك لقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي.
ثمة نقاش ساخن في قضايا كثيرة ستطرق، لكن الأبرز هنا هو الملف السوري، خاصةً وأنه ملف الساعة ويمكن القول إنه يشكل عنواناً بارزاً لحرب باردة على إعادة صياغة العلاقات الدولية أو ما يمكن تسميته تشكيل النظام الدولي.
سيحاول أوباما عند لقائه أردوغان، التخفيف من حدة الغضب التركي على الموقف الأميركي المائع تجاه فشل الانقلاب الذي حصل في تركيا منتصف تموز الماضي، وعلى الأغلب أن يتحدث الرجلان عن الحملة العسكرية التركية على مدينة جرابلس والموقف الأميركي الذي يدعو إلى أهمية التركيز على استهداف "داعش" وعدم الدخول في حرب مباشرة مع الأكراد.
لقد تعاملت تركيا بحزم شديد في موضوع حدودها مع سورية، لأنها لا تريد وجوداً لبعبعين يخوفانها، سواء بعبع "داعش" أو بعبع الأكراد الذين ينشطون بقوة في الشمال السوري، وهذا الأمر جعل واشنطن تتحرك على الفور من أجل ضمان عدم التصادم التركي- الكردي في سورية.
أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تعتبر الأكراد والأتراك حلفاءها في سورية، ولا تنوي تغيير استراتيجيتها هناك، حيث يبدو أنها ليست مع إيجاد حل سياسي في سورية، بقدر ما أنها تريد تحطيم هذا البلد وتأبيده بنزاعات مسلحة لا أفق سياسياً حالياً لوقفها.
حسن إذن، ربما سيلتقي كل من بوتين وأوباما على هامش "العشرين" للحديث بالتأكيد عن الموضوع السوري، الذي جرى استهلاكه في اجتماعات كثيرة بين الرئيسين وبين الوزيرين كيري ولافروف، وفي كل مرة نسمع عن تصريحات تقول إن الحوارات جادة لكنها في حقيقة الأمر غير مجدية على أرض الواقع.
لنا أن نتصور تعاسة هذا العالم الذي بات اللاعبون الدوليون الكبار يلعبون في مسرحه وفي "خلقة" الدول الأصغر نمواً، حتى أن الحديث عن قمم جماعية لاستيعاب الأزمة العالمية ووقف التدهورين الاقتصادي والسياسي، مجرد كلمات عابرة "لا تسمن ولا تغني من جوع".
حدث أن تحطّم العراق على مسمع ومرأى العالم، وعجز وتفرج الوطن العربي، ولم تتمكن الدول الكبرى من التأسيس لعراق موحد وناهض بعد مرحلة صدام، والدليل أن عدداً من تلك الدول تكالبت على هذا البلد لامتصاص ثرواته وإضعافه وإخراجه من دائرة الدول القوية.
يحصل هذا الآن مع دول عربية كثيرة، منها سورية وليبيا والسودان ومصر وتونس، والحال أن العالم لا يريد أن يحقق استقراراً سياسياً أو يدعو إلى تنمية متوازنة أو حتى شبه متوازنة على مستوى العالم، لأن النظرية الرأسمالية المتوحشة تقوم على أساس أن الكبير يتغذى على الصغير، وهذا الأخير على الأصغر منه وهكذا دواليك.
هذا بالضبط ما يحصل في العالم، وإلا كيف صارت الولايات المتحدة و"تصورت" لولا أنها تتغذى على الدول الأخرى، وتفتعل الحروب من أجل ضمان تصدير السلاح وغيره، ولماذا تحاول كل دولة استنهاض قدراتها على أمل تجاوز التبعية للولايات المتحدة.
هذا أيضاً ما تحاول القيام به روسيا، التي كانت فيما مضى الغريم القوي والمؤثر للولايات المتحدة، فهذه الدولة تسعى لاستعادة مكانتها الدولية، والحال كذلك بالنسبة للصين التي تنمو بطريقة خرافية، فهي كما يقول المثل تتمسكن حتى تتمكن.
مع الأسف الشديد يبقى الوضع الراهن العربي على عجزه المادة الأساسية والدسمة للحوار الغربي، فنحن موضوع ساخن في تلك المحافل، خاصةً وأن العرب الذين يفترض بحكم التاريخ والتقارب الجغرافي والعوامل الثقافية المشتركة والإسلام، أن يشكلوا حصناً منيعاً ضد الاستقطاب الدولي، لم يتمكنوا من الاقتراب من بعضهم البعض، ولا يزالون يستنجدون بالغرب حتى يأخذ حقهم من بعضهم البعض.
بسبب الضعف والعجز العربي، لم يعد للمواطن مكان لا في بلده ولا حتى في بلاد الغرب، فهذه الماكينة الإعلامية الغربية تصوّر العربي على أنه رجل متخلف، وتصور المسلم على أنه إرهابي متطرف، وبين هذا وذاك نجد الدول العربية منغمسة في التهام الفكر القومي والدولة الوطنية واختزالها بتغذية الانقسامات الطائفية والعشائرية والحزبية... إلخ.
في قمة العشرين، لا يعتقدن أحد أن الغرب منحاز لفكرة عالم واحد وتنمية شمولية، فهذا غير صحيح أبداً، ومثلما تريد واشنطن إبقاء سيطرتها على العالم، فهناك دول تريد ذلك أيضاً، وأخرى تحلم بالفكاك من هذه السيطرة، وغيرها مع فكرة المزاحمة في السيطرة على الآخرين، كأننا أمام "كعكة" يبحث فيها الكل عن حصته.
هذا هو العالم الذي تتغذى عليه العولمة، وسيأتي يوم على أولئك الذين صوتوا لصالح الرأسمالية وتوحشها، أن يلعنوها لأنها ستلتهمهم، أما على الصعيد العربي فليس أمامنا سوى حلين، إما أن نعود إلى الصواب بالتوحد في مواجهة الأخطار والعولمة المتغولة، أو أن نؤكل فرادى كما هو حال القطيع الذي لا راعي يلمه. إما أن نظل مادةً للنقاش في كل مناسبة دولية، أو نشارك ونسهم في صناعة القرار الدولي وصياغة ورسم العلاقات الدولية كما حال الفاعلين الكبار.