في ظلال مانديلا

رامي مهداوي
حجم الخط

إذا سمحتم لي بأن أقدم لكم بعض الدروس والعبر التي تعلمتها خلال مشاركتي بمبادرة تطوعية فردية، لمدة ساعتين من العمل، مع أحد الأصدقاء، المتمثلة في تعشيب وتنظيف أحواض الورد في ميدان الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا "نيلسون مانديلا"، في حيّ الطيرة بمدينة رام الله.
على الرغم من جمالية المشهد، والإضافة المعمارية والفنية الفريدة للميدان، فإن ذلك لم يردع بعض الزوار والمتطفلين عن عدم احترام جمالية ورمزية المكان، بإلقاء النفايات الشخصية كأعقاب السجائر وغيرها في هذه الأحواض المنسقة بطريقة جميلة ورقيقة. 
ويؤكد ذلك أننا في الغالب لا نحترم الأماكن العامة ولا نحافظ عليها كأفراد أو مؤسسات، ولا نتردد في تلويثها دون الاكتراث بالأضرار التي ستنتج عن ذلك، ليس على صعيد البيئة فقط، وإنما على الصعيد الجمالي للمكان الذي نستمتع ونفتخر به!!.
 بينما كنا نزيل الأعشاب الضارة، رأينا أضرار الإنسان المدمرة على الزهور والمنظر البديع من مخلفات المواطن، الذي جاء ليلتقط صورة مع تمثال مانديلا، من نفايات بلاستيكية وتنك وأوراق، على الرغم من انتشار سلال المهملات في محيط الميدان.
الغريب في الأمر هو أن من جاء ليتصور مع التمثال يعلم أن صاحب التمثال هو من المؤمنين بأهمية المواطنة من حقوق وواجبات وفكر تنويري، فقد قال مانديلا يوماً: "أن تكون حراً ليس بمجرد التخلص من القيود، بل أن تعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين".
 أما الدرس الآخر، فهو أنني أود نشر ما كتبه ذلك الصديق على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعد يوم من انتهاء العمل التطوعي الذي قمنا به: "هناك أناس ممتلئون بسلبية مطلقة تجاه أي شيء وكل شيء. لا يبادرون ولا يقبلون المبادرات. أصواتهم عالية وأفعالهم واهية. يخوضون المعارك لأي سبب ودون سبب لمجرد إثبات الحضور، وفي نهاية اليوم، يقنعون أنفسهم بأنهم على حق على الرغم من مساحة الوهم التي يسرحون ويمرحون فيها، لهؤلاء أقول: فلسطين تضج بالحياة رغم كل شيء. تئن بصمت من ظلم ذوي القربى. تكظم غيظها لما تعانيه من خذلان أبنائها. تقف بشموخ في وجه مغتصبيها. تفتح ذراعيها للجميع من مبادرين وأنصاف مبادرين ومشككين وانتهازيين ومتاجرين بماضيها وحاضرها ومستقبلها، ومن المستثمرين الموسميين بمأساتها، وتحمل من لا يحملها، وإنه، حقاً، لامتياز أن تكون جزءاً من ترابها وتاريخها وألمها وأملها وطموحها ويومها وغدها، على الرغم مما تمثله من عدمية وسلبية".
نعم هناك فرق كبير ما بين النقد من أجل النقد وما بين النقد من أجل التعمير والتصحيح، القضية هي أننا أصبحنا غرباء عن العمل التطوعي، مد يد العون، وما أجده في العالم الحقيقي هو أننا أصبحنا نستمتع بتصوير الغريق وهو يغرق ثم ننشر المشهد على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن نمد يد العون لإنقاذ الغريق.
هل أصبحنا سلبيين في العمل ونكتفي بالتدمير في العالم الافتراضي. والأخطر من هذا كله هو من ينقد العمل الإيجابي في معاجلة الأمور دون أن يكلف نفسه بعمل إيجابي من أجل أن يساهم ولو بعمل بسيط باقتلاع الأعشاب الضارة في حوض الزهور وتنظيفه!!