يونس العموري " لملاكي الصغيرة .. أميرة القدس جولي ... "

3
حجم الخط

وصار لي صغيرة جميلة جاءت الى الدنيا مقتحمة فؤادي .. 

وتربعت على عرش الحكاية منذ الأن .. 
واصبحت ملاذ حكاياي ومناجاة ترانيم الصلوات في محراب اعماقي ... 
وصار لي اسم اخر من جملة تلك الالقاب الأقرب الى الروح والوجدان ... 

 

وسيكون لها ما يكون بمدينة الله على الأرض ... 
وسيكون لها احلامها وستمارس يقظتها بأن تجول بحواري العتيقة .. 
وان تجثو لتقبل تراب ممزوج بسمرتها ... 
جاءت الى هذه القدس ربما بمحض الصدفة او عن سابق اصرار وترصد ... 
لا فرق ... 

 

ايتها الملاك الجميل ....

 

ستضبطين متلبسة بفعل العشق لزهر اللوز ...  
سأقول لك الكثير عن سحر هذه العتيقة ... 
وكيف من الممكن ان تحتملي رؤيتها ومشاهدة اسوارها ... 
سأقول لك الكثير عن بكاء القدس وحزنها وشجنها ... وعن كلمات الله فيها ... 
وعن سيرة عربها وعجمها ... وعن امراءها وسادتها وعن نساءها وجميلاتها وعن رجالها وأطفالها ... 
وابوح ما ابوح بهمسات دافئة ونحن نناجي قدسنا... 

 

يا صغيرتي ... 
ومنذ لحظاتك الاولى ساصنع القدس بمخيلتك وسارسمها بوجدانك ... 
وسنصلي بمحراب جمالها وروعتها ... 
وسنننقش معا للقدس صور وحكايا .. 
وتساؤلاتك ستصبح مشروعة .. 
وسيكبر سؤالك بكبر ذاتك وسيرتسم السؤال رغبة وهل من الممكن ان تعتلي تلالها يوما حرة آبية ...؟؟ 
ستقرأين عنها وعن عشاقها ومجانينها وستخبرين معانيها ... 
وسترسمين خطوط معالمها ... 
وستعايشين روحانيات نفحات الرب بدرب الألالم ... 
وستحضر واياكي بتول العذراء ومسيحها ... 

 

أدركت منذ اللحظات الأولى انني امام مهمة جميلة بأن ارافق أميرتي الصغيرة بشوارع وازقة القدس ... 
وربما سأكون امام عاشقة بإمتياز لعبق تاريخ سيرة النبي العربي الصاعد نحو السماء من بوابة القدس ... 

 

وكيف لي ان ارسم لها مشهد جمال القدس وثمة من يشوه فسيفساءها .... 
فقررت ان اترك لك القدس لتراها كما تريد ولإستيعاب ما يمكن ان تستوعبه دون ان أتدخل في تطويع صورها وخربشاتها ... 
فللقدس ايضا خربشات وتناقضات ... وللقدس ايضا قسوتها .... 

 

منذ اللحظات الأولى ستتسع مدركاتك وتندهشين وتشهقين ... 
وتهمسين دون كلام ... 
فهنا سطر التاريخ ذاته ... 
ومن هنا تكون الحياة ... 
ومن هنا يكون عبور العظماء ... 
ولا عظماء لمن لم يعبروا باب عمود القدس ... 
ومن لم يجول بسوق خان الزيت .. 

 

وحيث ذلك ستدركين ايتها المقدسية الصغيرة معنى عبور القدس وولوج القدس ...

 

ستجولين يا جولي في المكان ... 
وروحك محلقة بالسماء محاولة ان تحاكي من ينتظرها بملكوت من صنع الحقيقة البشرية ... 
وما هي الا لحظات حتى ستدخل خفافيش ليل القدس وتفرض ذاتها بالمكان وسيجاءها الغربان السوداء وستهمسين مرة اخرى وسترتلين شيئا من مزاميرك وتعويذاتك لتحمي روحك ... 
وستبكين وتبتبسمين وتضحكين وتغضبين وتمارسين كل طقوس الإيمان وترتلين كل الصلوات بكل اللغات ... وحينها ستعرفين مضامين معاني القدس .. 

 

فالقدس سترحب بها ... 
وستقول لها الكثير من الهمس ... 
وستتعرف على أقاصيص الأنبياء وستعايش شهداء الأقصى الذين سيعودوا الى المكان اثناء تجوالها ... 
وصلاح الدين سيطل عليها من السماء مرحبا بالقادمة الى منبره... 
ومن لا يعي خبايا عشق القدس لا يمكنه ان يمارس فعل الحب والعشق يوما ... 

 

سيدتي الصغيرة ... 
ويا ايتها العابرة للمكان وللزمان ويا ابنة راوبي شعفاط البوابة الشمالية لأم المدائن وابنة سلوان قبلة البيت العتيق هذا بياني لك فإستمعي ومارسي طقوس قراءة الحروف المقدسية ... 
 نحن هنا لن نبرح المكان واحفظي وصايانا جيدا وانقليها فأنت ها قد استشعرتي ماهية القدس وعرفت رجالها وعشاقها ومجانينها ... 
وقولي لهم لكل العرب والعجم ولكل النساء والأطفال ولك رجال هذا العصر ولزعماء ممارسة العهر السياسي والعجز .. 
ولكل جميلات الفنون ... 
ثمة جميلات بالقدس لا يغادرن حواريها ويمارسن قراءة شعر العشاق وينتظرن عند اول الليل من يأتيهن ... 
ويودعن رجالهن عند ابواب اسوارها ويحترفن فن ممارسة فعل الانتظار ... 
ويتجملن دوما للقادم ... 
ان عاد محمولا على الأكف او سائرا على قدمين خائرين ... 
فهن دائما بالإنتظار ... 

 

غاليتي انصتي لتعويذات جداتك واستمعي لأهازيجهن عند اول الليل .. 
ولا تبرحي مكانك الا برفقتهن فهن يعلمن ويعرفن حقيقة خبايا القدس وعشقها لتتشكل ملامحك الاجمل وكوني المقدسية بامتياز واعلمي ان الله قد بارك بالصامدات المثابرات بالقدس المرابطات على حد اليقين ... 

 

اخبري كل رجال لغة الضاد .. ثمة رجالا كبروا قبل اوانهم ... 
وعرفوا فنون صناعة المواقف ... 
ويعلموا كيف من الممكن ممارسة العشق بكنف القدس ... 
قولي لهم ما يمكن ان يُقال عن القدس وعن من يسكنها .. 

 

اخبريهم عن سيدها وأميرها الفيصل الذي سكنها فسكنته ... اخبريهم عمن ذُبح بزنازين القتل ... 
وعمن مورست بحقه كل افعال شياطين الأرض بحق من مارسوا عشقهم للقدس .. 
أخبريهم عن أميرة المبلسمة لجراح ما كان أعمى وابصر بحضرة حنينها .. 

 

سطري على اوراقك خطوط وحروف كمن سطر بالأحمر القاني تاريخ أمة العرب بهذا المكان ... 
ولا تنسي ان تذكري من أوقف عاريا تحت السماء منذ اللحظات الأولى لإحتلال مدينة مدائن الله .... 
قولي ما شئت واصرخي كيفما اردتي فأنت منذ الأن تحملين على اكتافك جزء من هموم القدس وصراخات اغتصاباتها ...