نزعت إسرائيل بصعوبة فتيل أزمة داخل «الليكود» أصابت المجتمع الإسرائيلي برمته في نقطتين رمزيتين: المواصلات التي تعني عموم الجمهور الإسرائيلي والابتزاز الديني من جانب الأحزاب الحريدية للحكومة. وفجرت الأزمة خلافاً حاداً في الحكومة تضمن تهديدات بإقالة وزير المواصلات إسرائيل كاتس، الذي يعتبر بين أقوى الزعامات في حزب «الليكود»، ما أوحى بأن الصراع في أساسه كان حول الزعامة.
وقد شهدت الأيام الأخيرة تزايد التظاهرت ضد ما أعتبر أخطر أزمة مواصلات في إسرائيل نشأت بعد الخلاف حول العمل في أيام السبت، إذ تقوم وزارة المواصلات بإنشاء خطوط قطار داخلية لتسهيل الانتقال من وإلى العمل، ولكن عملها هذا اصطدم برفض الأحزاب الدينية عمل أي شركة حكومية يوم السبت.
وسبق لمثل هذه الأزمة أن أسقطت في الماضي حكومات حينما كان اعتماد الائتلاف كبيرا على الأحزاب الحريدية، وما أن قبل نتنياهو بوقف العمل في خطوط القطارات حتى نشأت أكبر أزمة مواصلات طالت أكثر من مليون ونصف ممن يتوجهون يوميا إلى أعمالهم أو إلى وحداتهم العسكرية.
وأعقبت ذلك اتهامات متبادلة بين نتنياهو ووزير مواصلاته تضمنت تهديدات بالإقالة، وانضم إلى الموجة فريق علماني يرفض ما يوصف عادة بابتزاز الأحزاب الحريدية وميلها إلى الإكراه الديني بحجة قداسة يوم السبت.
واضطر نتنياهو لاحقا إلى سحب تهديداته بإقالة كاتس من منصبه حتى بعد إعلانه في الحكومة أن الوزراء يعينون لحل الأزمات وليس لاختلاقها. وادعى نتنياهو أن الأزمة نشأت فقط لأن كاتس يريد تمرير موقفه وعدم الخضوع لقراره بوقف العمل يوم السبت.
وبرغم أن المعلقين يعتبرون أن نتنياهو وكاتس خرجا خاسرين من هذه المعركة إلا أن الكثيرين يعتقدون أن خسارة نتنياهو كانت أكبر. وبحسب استطلاع نشر أمس في «يديعوت» رأى 49 في المئة من الإسرائيليين أن الذنب في الأزمة يقع على كاهل نتنياهو، في حين رأى 14 في المئة فقط أن كاتس هو من افتعل الأزمة.
وبخصوص تهديد نتنياهو بإقالة كاتس، رأى 64 في المئة أن نتنياهو غير محق في ذلك وهم يعارضون الإقالة مقابل 17 في المئة أيدوا نتنياهو.
أما في «معاريف» فأشار استطلاع إلى تأييد 52 في المئة من الإسرائيليين لكاتس مقابل 25 في المئة يؤيدون نتنياهو.
ومن الواضح أن فتيل الأزمة بين الرجلين أطفئ لكن الانفجار كما يرى كثيرون آتٍ وقد لا يكون بعيدا. فنتنياهو، يرفض بروز أي شخصية داخل «الليكود» يمكن أن تشكل تهديدا لزعامته. وهو قاد في العامين الأخيرين حملات لإخراج كل من يستشعر منهم خطرا وخصوصا ممن كانوا حلفاء مخلصين له في الماضي.
ويعتبر كاتس من أنشط وأبرز قادة «الليكود»، وكثيرا ما ترأس مركز «الليكود» في دلالة على قوة مركزه، وقد أثبت هذه القوة عندما تحدى نتنياهو ولم يستجب لتهديداته. ويؤمن أغلب الإسرائيليين بأن الأزمة بين الرجلين سياسية وحزبية في الأصل وأنه ستكون لها عواقب قريبة.
وكتب كبير المعلقين في «يديعوت» ناحوم بارنيع: «كانت الساحة السياسية مشغولة امس بمسألة ماذا سيكون مصير الوزير اسرائيل كاتس، هل سيقال، ام سيجبر على الاستقالة، هل سيرمم علاقاته مع نتنياهو، بعض من الوزراء ضربوا عينهم على وزارة المواصلات كثيرة المليارات، مثل جارات الارملة في زوربا اليوناني، سعوا لأن يضعوا يدهم على ممتلكات كاتس بينما كان حيا، فهموا بأنه حتى لو نجا كاتس هذا الاسبوع، فإن نهاية ولايته قريبة. نتنياهو ينجح في التعايش مع الخصوم السياسيين بشرطين: إما أن يكونوا ينتمون لأحزاب أخرى، أو انهم يموتون. والتأبين الذي سيكتبه عن اسرائيل كاتس سيفطر القلوب، المشكلة هي أن كاتس لا يوافق على الموت».
ويجزم خبراء أن الحريديم ليسوا المسؤولين الوحيدين عن الأزمة وأن الصراع القوي داخل «الليكود» هو الأساس، ومع ذلك فإن الأزمة فتحت العيون على التشدد الديني ودوره في إعاقة تطوير البنية التحتية والمجتمعية الإسرائيلية.
وأشار البعض إلى أنه لا تكفي الحريديم سيطرتهم على الشؤون الشخصية والمدنية وإدارتهم لها وفق «النهج الارثوذكسي الاكثر تعفنا»، ولا سيطرتهم على «تعليم الاولاد بشكل يرى استمرار السيطرة على المناطق أهم من أي شيء آخر». ولذلك يحمل كثيرون على نتنياهو لأنه سهل للحريديم التدخل في حياة الجزء الأكبر من الإسرائيليين.
ورأت «هآرتس» في افتتاحيتها أن الأزمة وفرت فرصة لكسر ما يوصف بأنه «الوضع القائم» في العلاقة بين الدين والدولة، ومعروف أن إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعمل فيها المواصلات العامة في أيام السبت.
وأشارت إلى أن التظاهرات التي جرت في الكثير من المناطق ينبغي أن تتوجه نحو هدف تسيير المواصلات العامة يوم السبت. وأوضحت الافتتاحية أن «الازدواجية الاخلاقية الدينية مذهلة، فالمتدينون والاصوليون يوافقون على أن تعمل شركة الكهرباء وشركة المياه يوم السبت، كما انهم يوافقون على أن تكون الفنادق مفتوحة في السبوت وان يعمل النادلون وموظفو الاستقبال اليهود، بل وان يدفع لهم لقاء العمل في السبت. بالنسبة لهم لا يعتبر هذا تدنيسا للسبت، لأنه يخدمهم أيضاً، اما المواصلات العامة في السبت؟ فلا سمح الله. إذن إن هذا فقط من أجل معظم مواطني اسرائيل، وليس من أجل المتدينين والاصوليين».
في كل حال، ثمة من يرى أن الأزمة بينت أنه لم يعد ممكنا استمرار إغماض الأعين بين العلمانيين والحريديم. وإذا كانت الأزمة هذه المرة في القطار، فإنها لن تتوقف عند القطار وستنطلق منها إلى أمور أخرى.