ماذا نريد من أشقائنا العرب؟!!

أشرف العجرمي
حجم الخط

المتتبع لبعض التصريحات التي تصدر عن مسؤولين فلسطينيين يشعر وكأننا نعيش في حالة دفاع عن القرار الوطني المستقل، وكأن هناك محاولة للانقضاض على هذا القرار أو التدخل في الشأن الداخلي بصورة تمس باستقلالية قرارنا الوطني. وبعض التصريحات عادت بنا إلى سنوات الستينات والسبعينات الأولى ما قبل عام 1974 حيث اعترفت الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. كل هذا الحديث بسبب محاولات دول عربية لرأب الصدع في الساحة الفلسطينية وجمع الأطراف المختلفة بدءاً من وحدة حركة "فتح" وانتهاءً بوحدة السلطة الوطنية وشقي الوطن وتهيئة المناخ لاستئناف العملية السياسية على أرضية جمع أوراق القوة الفلسطينية، فهل المساعي العربية الراهنة آثمة وتستهدف المساس بالوطنية الفلسطينية والمصالح العليا لشعبنا؟؟
لا يوجد سبب منطقي للتشكيك بنوايا الدول العربية التي تريد مساعدة الشعب الفلسطيني على توحيد صفوفه. فبالأمس رحبنا بالجهود العربية ورحبوا باستجابتنا لنداء ومساعي الدول الشقيقة، وخاصة دول الرباعية المهمة، فما الذي جرى حتى يتم النكوص عن هذه الموافقة وتوجيه اللوم والانتقادات وحتى التهديد للدول التي تتجرأ على التدخل في شؤوننا؟ هل الموضوع هو تحريض داخلي خوفاً من وحدة تؤدي إلى عودة محمد دحلان، أم هل هو قلق من امكانية توحيد الضفة وغزة واعادة خلط أوراق تقسيم الكعكة، أم هل هو التخوف من تطورات إقليمية ودولية قادمة ارتباطاً بالتغيرات التي تجري على أرض الواقع؟
ليس واضحاً ما يدور في عقول بعض القيادات الفلسطينية التي تستعجل القطيعة مع الدول العربية في الوقت الذي يناشد فيه الشعب الفلسطيني اشقاءه العرب للتدخل لنجدته من الواقع المأساوي الذي يعيشه نتيجة للاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية الظالمة. وليس واضحاً ماذا نريد من الأشقاء عندما يحاولون رسم خارطة طريق لنا، وحتى لو كان بعضنا يختلف مع بعض التفاصيل هنا وهناك، فليس من عادتنا أن نهاجم الموقف العربي الذي يتخذ صفة جماعية. ودائماً كنا نبحث عن نقاط اللقاء ونحاول تطوير الموقف العربي بما ينسجم مع ما نريد، ونحن الآن على الأغلب لم نعد ندري ماذا نريد، وقيادتنا تفقد الدعم الشعبي بالتدريج، ويبدو أننا سنفقد عما قريب دعم الأشقاء بسبب سوء تعاملنا مع المواقف العربية ونزقنا المفرط وحساباتنا غير المدروسة.
في السابق كانت تحدث خلافات مع الأشقاء وكانوا يحاولون مصادرة قرارنا، ومع ذلك كان القائد الرمز ياسر عرفات يحرص أشد الحرص على الإبقاء على خطوط الاتصال مع كل الأنظمة بما فيها التي أساءت إليه شخصياً وتآمرت عليه، وحتى تلك التي حاولت بل دعمت الانقلاب عليه. ونحن لسنا في ذلك الموقع باستثناء ربما دولة واحدة تدعم الانقلاب، ولكنها لم تصل إلى مستوى ما كان في السابق بأي حال، فقرارنا لدينا ونحن أصحاب الفصل فيه، وهو ليس مهددا إلا بالمشروع الإسرائيلي الذي يدعم استمرار الانقسام وقيام دولة غزة، والتدخل العربي الراهن هو عكس ذلك يستهدف تجميع الأوراق الفلسطينية وتوحيد الموقف في كل مستوياته.
حالنا يشبه التيه في صحراء يصعب فيها تحديد الاتجاهات لإيجاد طريق الخروج، ففي كل تطور نسمع مواقف متضاربة وغريبة ليس فقط في قصة المحاولة العربية للمساعدة بغض النظر عن المصالح المحددة لكل دولة، بل في كل شيء، كما حدث مع الموقف من المبادرة الفرنسية التي بتنا ندعمها بلا تحفظ، وكما هو الحال مع لقاء القمة التي دعت إليه موسكو، فسفيرنا في موسكو أكد الموافقة على اللقاء، ونفت الموضوع قيادات مقربة من الرئيس، وكأن الحديث عن هذا اللقاء يشكل جريمة وأنه بحاجة لتحضير ومواقف إسرائيلية محددة، ثم جاء موقف الرئيس أبو مازن واضحاً وقاطعاً بالموافقة واتهام إسرائيل بالتعطيل، فأي صورة نرسمها لأداء قيادتنا في وسط هذا التخبط والتضارب؟!
إذا بقي وضعنا هكذا من حيث التيه وفقدان القدرة على التعامل الخلاق والإيجابي مع ما يجري حولنا سنجد أنفسنا في عزلة تامة عن محيطنا العربي وعن الدول الداعمة لنا، وسنفقد دعم المجموعات الدولية المهمة على المستوى العالمي. وللواقع نحن بدأنا فعلاً نشعر بتقلص الدعم الدولي الحقيقي بعيداً عن المواقف الدولية المبدئية التي تقف ضد الاحتلال والاستيطان، فدعم السلطة نقص عن سنوات سابقة والعجز يزداد باستمرار، وموقف إسرائيل بالرغم من كل ممارساتها وتحديها للإرادة الدولية على الأقل في موضوع البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي الفلسطينية لا يزال جيداً نسبياً وتحقق بعض المكاسب الدبلوماسية، والقناعة الدولية تزداد بعدم جاهزيتنا للتسوية لأننا لم نستطع التغلب على مشكلاتنا وانقسامنا الداخلي، ونحن أمام أزمة جديدة مع العالم العربي إذا تركنا لردود أفعالنا غير المدروسة والسلبية والمتناقضة أن تسيطر على أدائنا السياسي الذي يتسم مؤخراً بالارتجال واليأس النابع من خيبة الأمل في كل الأوضاع المحيطة بنا، وقدرة القيادة تتبدى أكثر في الحالات الصعبة والمعقدة وفي كيفية شق الطريق للخروج من أي مأزق يواجه المشروع الوطني.
نحن كنا ولا نزال أمام اختبار جدارة وقدرة في كيفية معالجة أوضاعنا وفي كيفية إدارة أمورنا، وهل نحن مؤهلون لحكم أنفسنا، إذا ما اتيح لنا الاستقلال، وهذا لا ينتقص أبداً من حقنا المشروع في الحرية والاستقلال ولكنه عامل مهم في كسب الدعم والتأييد لقضيتنا، ونحن أخفقنا في بعض المراحل ولا يجوز الإخفاق مجدداً في هذا الوضع الذي لا يبدو لصالحنا.