قمة موسكو: فلسطين بين الإرباك.. والحرج!

هاني حبيب
حجم الخط

ما زال هناك الكثير من عدم الوضوح إزاء القمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في موسكو، وهي القمة التي دعا إليها الرئيس الروسي بوتين، وعلمنا حولها من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن ربما كانت هناك مساع روسية نشطة تحت الطاولة قبل تصريح الرئيس المصري. الغريب في هذه الدعوة أن هناك وجهات نظر متقاربة بين إسرائيل وروسيا، إزاء المبادرة الفرنسية المطروحة للتفعيل من خلال مؤتمر باريس قبل نهاية العام الجاري، إسرائيل رفضت المبادرة الفرنسية بينما تحفّظت عليها روسيا، والغريب أن القيادة الفلسطينية سبق وأن رحّبت بهذه المبادرة، وبات من الواضح أن هناك جهداً إسرائيلياً ـ روسياً للتملص من المبادرة الفرنسية، وبات من الواضح أن هناك جهداً إسرائيلياً ـ روسياً للتملص من المبادرة الفرنسية ومؤتمر باريس من خلال قمة قد تعقد في موسكو، وتشكل وكأنها بديل عن المبادرة، موقع الدور المصري بهذا الخصوص غير واضح، فقد أيدت القاهرة المبادرة ولكنها مع ذلك، وهي تدرك الأمر جيداً، فإن قمة فلسطينية ـ إسرائيلية، من شأنها أن تشكل التفافاً على المبادرة الفرنسية ومؤتمر باريس!
خلال العقد الماضي، دعت روسيا أكثر من مرة لعقد مؤتمر حول السلام في الشرق الأوسط في موسكو،  خاصة بعد تراجع الدور الأميركي وفشله في إنضاج عملية تفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كانت فلسطين ترحب وإسرائيل ترفض ومعها الولايات المتحدة، من هنا، فإن عودة موسكو لإحياء جهودها على هذا الملف ليس مرتبطاً تماماً بالمستجدات الإقليمية والدولية على خلفية تداعيات "الربيع العربي" والدور الروسي المؤثّر في الساحة السورية، بل انه ينطلق من الدور السياسي لروسيا في هذه المنطقة التي تعتبر بؤرة الصراعات والحروب انطلاقاً من الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
في النصف الأول من عام 2009، وفي عهد الرئيس الروسي مدفيديف ووزير خارجيته لافروف وممثل روسيا في الشرق الأوسط بوغدانوف، في وقت كان ليبرمان وزير خارجية إسرائيل في ذلك الوقت، عندما دعت روسيا إلى عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في العاصمة الروسية موسكو، كان الرد الفلسطيني مُرحِّباً، بينما تحفّظت إسرائيل ثم رفضته تماماً، في حينه كتب مدير معهد الاستشراق لأكاديمية العلوم السياسية البروفسور فيتالي ناومكن، متشكّكاً بالموقف الإسرائيلي، خاصة وأن حكومة نتنياهو تطرح "حلاً اقتصادياً" كبديل عن الحل السياسي، وان الموقف الإسرائيلي يعبّر عن مناورة لاستغلال الوقت أكثر منه إيماناً بعملية سلام، أقوال ناومكن لا تزال صالحة للتكرار بعد سبع سنوات من تلك الدعوة الروسية لعقد مؤتمر سلام في موسكو [لي شرف أن البروفيسور فيتالي ناومكن كان أحد من أشرفوا على تدريسي في وقت من الأوقات].
الموقف الفلسطيني بالغ الحرج، وهذا يفسر التضارب والارباك في التصريحات المتعلقة بالقبول بعقد هذه القمة، ففلسطين لا يمكنها أن ترفض مثل هذه الدعوة من صديق للشعب الفلسطيني ومساند لقضيته في المحافل الدولية وأحد أركان اللجنة الرباعية الدولية، لكن فلسطين التي رحبت تدرك أن التقارب الإسرائيلي الروسي إزاء الموقف الرافض للمبادرة الفرنسية سيكون على حساب الموقف الفلسطيني في حال عقد هذه القمة. في هذا السياق، فإن هذا الحرج لا يفسّر وحده هذا التضارب في المواقف والتصريحات، بل ان الأمر يعود بشكل جوهري إلى غياب "المؤسسة" التي تأخذ القرارات على كافة المستويات في الاطار القيادي الفلسطيني، الأمر الذي يجعل الموقف الفلسطيني أكثر ارباكاً وغموضاً، نتيجة لعدم حسم الموقف وليس "الغموض البنّاء" الذي يعتبر بحدّ ذاته في بعض المواقف ضرورياً لحسابات سياسية صحيحة!
ربما عاد ممثل الرئيس الروسي بوغدانوف إلى موسكو، حاملاً معه المواقف الإسرائيلية والفلسطينية، عندها فقط يمكن للرئيس الروسي بوتين أن يتعرف على مصير مبادرته ودعوته، وعندها يمكن أن تصبح هذه المبادرة مجرد رقم يضاف إلى جملة المبادرات الروسية بهذا الصدد والتي لم تنجح، في هذا السياق، فإن رد نتنياهو المعلن بأن الموقف الإسرائيلي من الدعوة الروسية "قيد الدرس" ربما يوفر للجانب الفلسطيني فرصة للتملص من اتخاذ قرار، مع أن تصريحات سفيرنا في موسكو، كانت في ذات الاطار "موافقة فلسطينية من حيث المبدأ" تأتي في ذات السياق، لكن بعض التصريحات التي نفت تماماً القبول الفلسطيني، كتلك التي أعلنت عن موافقة فلسطينية، في كلتا الحالتين، فإنهما يعبّران عن هذا الارباك الذي تحدّثنا عنه.
في تجارب سابقة، كان الموقف الفلسطيني يتحدد وفقاً للموقف الإسرائيلي، انتظار القرار الإسرائيلي وتحميله مسؤولية الرفض، هذه المرة إسرائيل لا تزال تدرس الأمر حسب نتنياهو، فلماذا التعجُّل باتخاذ موقف ولماذا لا نتريّث وننتظر، خاصة وأننا نعلم أن الحديث يجري حول إفشال المبادرة الفرنسية التي رحّبنا بها!!