أيها الصحافيون، لا تـنـتـحـــروا

توفيق أبو شومر
حجم الخط

تزعجني صورُ الطفل، أحمد دوابشة، في كل وسائل الإعلام لأنها، للأسف، تُستخدم واجهات لأنشطة شخصية، وحزبية، وثقافية، أستاءُ كثيراً عندما أرى الأوصاف التي تطلق على الطفل، ذي الخمسة أعوام: "فارس فلسطين، أمير أطفال فلسطين، الشاهد الحي على إحراق أسرته!!"
هذا بالضبط ما يفعله بعض أدعياء الدين، عندما يغتالون الطفولة من القاصرين، ويسمونهم تسمياتٍ ضخمةَ الوقع، تدفعهم إلى الطغيان والتمرد على قوانين أسرهم ومجتمعهم، مثلما يُطلق على طفل صغير في سن العاشرة، أو أقل: أبو مصعب، وأبو الدرداء، وأبو حذيفة.....!!
إنني أعتبرُ إخراجَ الأطفال من طفولتهم خطأ كبيرا في حق أجيالنا الفلسطينية، فما أزال أحفظ قول الفيلسوف، جان جاك روسو، في كتابه التربوي، إميل: "احذروا أن تبحثوا عن الرجل في الطفل، دعوا الطفولة تنضجُ في الأطفال" .
إنَّ النقص في جرعات الطفولة يؤثر سلبا على مراحل الحياة الأخرى للإنسان، وليس من المبالغة القول: إنَّ معظم العرب يقومون باغتيال الطفولةِ في مهدها، وهذا أنتج أجيالا  من المرضى النفسيين، ممن يعوِّضون طفولتهم المسلوبة في كهولتهم!
ما أزال أذكر بعض ممارسات صحافتنا الفلسطينية في موضوع، اغتيال براءة الطفولة من أبنائنا، والإساءة إلى مسيرة حياتهم، وقد رصدتُ يوم 17/6/2006 حدثا في الموضوع نفسِهِ، عندما اغتالت البوارجُ البحرية الإسرائيلية، عائلةَ، أبو غاليه على شاطئ السودانية بغزة، فقد التقط الصحافيون الناجية الوحيدة من المجزرة، الابنة القاصر الطفلة، هدى، وأخضعوها للاستجواب الصحافي، في مشهد حزين، وبخاصة عندما استضافت قناة الجزيرة الفتاة الصغيرة، ومعها طبيب نفسي مشهور، ووصف حالتها، وهي تجلس إلى جواره، بأنها حالة ( ما بعد الصدمة)، وأنها لا تنام أبدا، وأنها.....!!
وما أزال أذكر أيضا في آخر الحروب على غزة، عملية الجرف الصامد في آب 2014 عندما استضاف صحافي بارز طفلةً قاصرا، فقدتْ والديها، لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها، في بثٍ مباشر، وسألها هذا السؤال الخطير:
ألم تشتاقي إلى والديكِ؟!!!
سأظلُّ أرفع صوتي ضد كل هذه الإساءات التي تُرتكب في حق أبنائنا القاصرين!
إنَّ أبجديات العمل الصحافي، ومواثيق الشرف الصحافية، وقوانين الإعلام، المرئي، والمسموع والمكتوب، تكفل عدم العبث بالقاصرين، ومن أهم النصوص في مواثيق الشرف الصحافية:
"يجب حماية الطفولة والنشء، وعدم تعريضهم للصدمات، أو استخدامهم في مجال الدعاية والإعلان، وعدم تشجيع المنتجات الضارة بصحتهم".
إن الإخلال بهذه المواثيق، في كثيرٍ من الدول التي لا تسري فيها القوانين والمواثيق، له أفدح الآثار على مستقبل الأجيال.
سأظلُّ أسردُ قصة الصحافي الجنوب إفريقي البارز، كيفن كارتر، الحاصل على جائزة  البوليتزر في فن التصوير الصحافي.
كيفن كارتر، التقط  صورة القرن لطفلةٍ سودانيةٍ هزيلة من شدة الجوع، في مجاعة العام 1993 وهي تزحف بحثا عن طعام، وغير بعيدٍ منها حطَّ نَسرٌ جارحٌ، ينتظر أن يُجهز عليها!!
نَدِمَ كيفن على فعلته، لأنه أمضى عشرين دقيقة يشاهدُ الفتاة، ناظراً إلى النَّسر، متمنيا أن يفرد النسر جناحيه، لتكون الصورةُ أكثر إثارة، ولم يلمس الفتاة خوفا من انتقال الأمراض إليه!
نشرت صحيفة النيويورك تايمز الصورة يوم 26/3/1993، وتناقلتها كل وسائل الإعلام، وحصل كيفن كارتر على جائزة البوليتزر!! غير أن تقصيره في إنقاذ الطفلة السودانية دفعه للانطواء، لأنه فضَّل الصورةَ والخبطةَ الإعلامية على واجبه الأخلاقي، فقرر أن يُنهيَ حياته ندما، وهو في سن الثالثة والثلاثين،  كتب آخر كلماته، قبل أن ينتحر بثاني أكسيد الكربون، من عادم سيارته: "أنا مكتئبٌ، أنا آسف، تطاردني جثث الأطفال الذين يتضورون جوعا"!!