هـل ترفـع واشنـطـن العـقـوبـات عن السـودان مقابل التطبيع مع إسرائيل؟

العقوبات-السودان
حجم الخط

توجهت اسرائيل لحكومة الولايات المتحدة ودول اخرى، وشجعتها على تحسين علاقاتها مع السودان، واتخاذ مبادرات حسن نية، على خلفية قطع العلاقات بين الدولة العربية الافريقية وبين إيران. هذا ما يقوله موظفون رفيعو المستوى في القدس.
   في الاسبوع الماضي زار مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية، توم شانون، اسرائيل وأجرى عدداً من النقاشات مع وزارة الخارجية ومكتب رئيس الحكومة. شانون دبلوماسي قديم رفيع المستوى، لكن هذه هي زيارته الاولى إلى اسرائيل. وقد التقى شانون ايضا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
انصبّ أغلب النقاشات مع نظير شانون الاسرائيلي – مسؤول الجانب السياسي في وزارة الخارجية، الون اوشبيز. واضافة الى ذلك التقى شانون بشكل منفصل مع مدير عام وزارة الخارجية، دوري غولد. وجزء كبير من نقاشات شانون مع مسؤولي وزارة الخارجية في القدس كان بخصوص افريقيا التي زادت اسرائيل بشكل كبير نشاطها الدبلوماسي فيها في السنة الاخيرة.
واشار موظفون اسرائيليون رفيعو المستوى إلى أن مسؤولي وزارة الخارجية أكدوا لشانون ضرورة تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان. وفي وزارة الخارجية يعتقدون أن حكومة السودان قطعت قبل عام علاقتها مع ايران لأن تهريب السلاح من السودان الى قطاع غزة توقف، ولأن السودانيين اقتربوا من خط الدول السنية برئاسة السعودية.
وأضاف المسؤولون في اسرائيل أن احدى الرسائل التي أعطيت لشانون كانت أنه محظور تجاهل الخطوات الايجابية السودانية، وأن مبادرة حسن نية من جهة الولايات المتحدة تجاه الحكومة في الخرطوم من شأنها أن تساعد. احدى الخطوات التي تطلبها حكومة السودان هي أن تقوم الادارة الاميركية باخراجها من قائمة الدول المؤيدة للارهاب. وأشار مسؤولون في وزارة الخارجية الاسرائيلية للأميركيين أنهم يفهمون بأن الولايات المتحدة لن ترفع المقاطعة التي فرضتها على الرئيس السوداني، عمر البشير، لكنهم قالوا إن زيادة الحوار الاميركي مع آخرين في حكومة السودان سيكون خطوة ايجابية.
  البشير، الذي يسيطر على السودان منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه في العام 1989، هو أحد الديكتاتوريين المعروفين بسوء السمعة في العالم. في العام 2009 صدر بحقه أمر اعتقال دولي بعد اتهامه في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بمسؤوليته عن جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في دارفور، غرب السودان، حيث قتلت القوات السودانية هناك مئات الآلاف من أبناء القبائل الافريقية. وقال القضاة في محكمة الجنايات الدولية إن، البشير الذي هو رئيس الدولة الاول الذي صدر ضده أمر كهذا في ظل وجوده في منصبه، «مشبوه بالمسؤولية عن اعطاء أمر موجه لضرب اجزاء كبيرة من السكان المدنيين في دارفور، بالقتل، الابادة، الاغتصاب، التعذيب والاقتلاع بالقوة لعدد كبير من المواطنين وتخريب ممتلكاتهم». وحتى الآن لم ينته الصراع في دارفور، ولم يتم توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار.
وبالتوازي مع الاتصالات حول السودان مع الادارة الاميركية أجرت اسرائيل في السنة الماضية نقاشات مشابهة مع فرنسا وايطاليا ودول اوروبية اخرى. وأشار موظف رفيع المستوى في القدس الى أن دبلوماسيين اسرائيليين طلبوا من نظرائهم في اوروبا مساعدة السودان للتغلب على الدين الخارجي الكبير والذي يبلغ نحو 50 مليار دولار، وفحص امكانية شطب جزء من الدين، مثلما تم مع دول اخرى في العالم التي مرت بوضع اقتصادي صعب. وأوضحت اسرائيل أن انهيار اقتصاد السودان من شأنه أن يزعزع الاستقرار في هذا الجزء من اوروبا، الامر الذي سيؤدي الى زيادة العناصر الارهابية.
   لا يعتبر السودان في قانون اسرائيل دولة معادية، لكن هناك عداء بين الدولتين يمتد لسنوات. ولا توجد علاقات دبلوماسية. حسب القانون في السودان فان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يُمنع دخول مواطني السودان اليها. وقد استضافت السنوات لسنوات طويلة على اراضيها قيادة «حماس»، وكانت حليفة عسكرية وسياسية لايران و»حزب الله». واستخدم الايرانيون السودان كمكان لتهريب السلاح الى قطاع غزة، وأقاموا بقرب العاصمة الخرطوم، مصنعا كبيرا لانتاج الصواريخ بعيدة المدى من اجل «حماس» و»الجهاد الإسلامي». وبين سنوات 2008 – 2014 حدثت عدة هجمات جوية على قوافل السلاح في السودان التي كانت في طريقها الى القطاع، وكذلك على سفينة سلاح ايرانية رست في السودان وايضا على مصنع الصواريخ القريب من العاصمة، الخرطوم. وقد نسبت حكومة السودان الهجمات لاسرائيل، لكن القدس لم تعلن مسؤوليتها عن ذلك أبدا.
مع نهاية سنة 2014 بدأ السودان بالابتعاد عن ايران على خلفية الضغط الكبير من السعودية. فقد طرد السودان الملحق الايراني الثقافي الذي كان موجودا في السفارة في الخرطوم، وقاموا باغلاق عدد من المراكز الثقافية الايرانية التي عملت في الدولة. وبعد ذلك انضم السودان الى التحالف برئاسة السعودية لمحاربة المتمردين الحوثيين في اليمن. وفي كانون الثاني الماضي قطع السودان بشكل تام علاقاته الدبلوماسية مع ايران في اعقاب الهجوم على السفارة السعودية في طهران.
مقابل الابتعاد عن ايران والتقرب من السعودية حدث نقاش جماهيري في الاشهر الاولى من 2016 في السودان حول امكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتم جزء كبير من النقاش في اطار «لجنة الحوار القومية السودانية» – ويشمل الاطار جميع الاحزاب والتيارات في الدولة، بما في ذلك جيش السودان، وذلك من اجل انهاء الصراعات الداخلية في الدولة. في اطار النقاشات حول العلاقات الخارجية للسودان في كانون الثاني الماضي، أيد عدد من رؤساء الاحزاب في الدولة امكانية تغيير التعامل مع اسرائيل وتطبيع العلاقات معها كجزء من محاولة للتقرب من الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية. وزير الخارجية السوداني، ابراهيم غندور، تطرق الى ذلك في خطاب علني حيث قال إنه يجب فحص موضوع التطبيع مع اسرائيل. وفيما بعد نشرت وزارة الخارجية في السودان نفيا ضعيفا، يعتبر أن اقوال الوزير أُخرجت من سياقها. نائب الرئيس السوداني، حسابو محمد عبد الرحمن، قال بعد ذلك ببضعة ايام إن تطبيع العلاقات مع اسرائيل لا يوجد على جدول العمل.
تربط الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع السودان، لكن العلاقات بين الدولتين متوترة جدا. ومنذ منتصف التسعينيات لا توجد سفارة اميركية في الخرطوم. وقبل عشرين سنة أدخلت الادارة الاميركية السودان في قائمة الدول التي تدعم وتحمي المنظمات الارهابية. وتفرض الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية الشديدة جدا على السودان على خلفية الاخلال بحقوق الانسان الى درجة خطيرة، وهذا ضد معارضي نظام البشير والمواطنين غير العرب في الدولة، وايضا على خلفية الاتهامات ضد رئيس السودان ومقربيه فيما يتعلق بابادة الشعب في دارفور.
أضرت العقوبات الاميركية الى حد كبير باقتصاد السودان، وزادت الدين الخارجي للحكومة في الخرطوم. اضافة الى ذلك قامت الولايات المتحدة بالضغط على دول اخرى في العالم كي لا تُمكن من دخول الرئيس البشير الى اراضيها. في الوقت الذي يعتبر فيه البشير شخصية غير مرغوب فيها في الدول الاوروبية وخطر الاعتقال يطارده، يزور البشير دولا افريقية وعددا من الدول العربية، والصين ايضا. في أيار الماضي وصل البشير الى اوغندا للمشاركة في  مراسيم تنصيب الرئيس يفاري موزفيني. وفي المراسيم التي شارك فيها زعماء افارقة كثيرون دعم موزفيني البشير، وهاجم محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. الدبلوماسيون الاميركيون والكنديون والاوروبيون الذين شاركوا في هذه المراسيم غادروا احتجاجا على مشاركة البشير وخطاب موزفيني. وقد رفضت الولايات المتحدة عددا من المرات طلب البشير الحصول على تأشيرة دخول للمشاركة في الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك.
في السنوات الاخيرة منذ الاعلان عن استقلال جنوب السودان، تُجري الولايات المتحدة نقاشا مع الحكومة في الخرطوم. وقبل عشرة ايام حدث لقاء في نيروبي، العاصمة الكينية، بين وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، وبين وزير خارجية السودان، غندور. يحاول المبعوث الاميركي، دونالد بوت، منذ فترة طويلة التوسط بين احزاب المعارضة في السودان وبين الحكومة. وقد وضع الاميركيون عدداً من الشروط من اجل رفع العقوبات عن السودان، وفي مركزها وقف القصف والهجمات ضد القبائل الافريقية في جنوب دارفور ومدن النيل الازرق من اجل استكمال عملية الحوار القومي في الدولة والتوقيع على اتفاق سلام مع المعارضة وتحسين وضع حقوق الانسان في الدولة.