تكرر القصة نفسها بعد كل حملة انتخابات: في البداية يعطون من سيشكل الحكومة حبلاً طويلاً. وفي اللحظة التي يصطدم فيها بالمصاعب المعروفة مسبقا، يأتي الصحافيون، المحللون، والسياسيون فيلقون الى الفضاء العبارات الممجوجة "المسؤولية الوطنية"، "تقاسم العبء"، "تقليص الاضرار". ورويدا رويدا يقنعون أنفسهم بانهم تجندوا لانقاذ الدولة، انطلاقا من احساس وطني عميق.
يقضي العقل بان معظم المصوتين لبنيامين نتنياهو وكل المصوتين لنفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان يريدون دولة يهودية اكثر بكثير مما يريدون دولة ديمقراطية؛ وأنهم معنيون بمثل هذا النوع او ذاك من ضم المناطق وضعضعة مكانة المحكمة العليا. كما أن مصوتي الاحزاب الدينية هم ذوو مفاهيم مشابهة في هذه المواضيع، حيث لا يوجد صراع حقيقي بين مصوتي هذه الاحزاب المختلفة.
من الجهة الاخرى تقف كتلة من الاحزاب غير الموحدة، المنقسمة في كل ما يتعلق بمواضيع المجتمع والاقتصاد، ولكنها تؤمن بديمقراطية حقيقية داخل دولة يهودية تكون فيها الاقلية العربية متساوية الحقوق، ويكون هناك معارضة لضم "المناطق"، وهي معنية بتسوية سياسية مع الفلسطينيين ومع دول عربية وتسعى الى حماية جهاز القضاء ومكانة المحكمة العليا.
غير قليل من المحللين المحترمين يعتقدون بأن الفوارق بين الكتل اصغر، وبالتالي يمكنها أن تصل الى حل وسط مناسب. ولكن لا شك أن اليمين والمتدينين سيحافظون على مكانتهم المهيمنة بين الشعب طالما لا يضطرون الى دفع ثمن سياسي وحزبي لقاء تصويتهم. وحتى الان كان الثمن الذي دفعوه زهيدا. فالمعارضة الاوروبية لمواقف الحكومة عللوها كـ لا سامية ومظاهر الاحتلال والمستوطنات يرونها كواقع لا يثقل على ميولهم او على ضميرهم.
تحتاج الدولة على نحو شديد لائتلاف احزاب اليمين والاصوليين الذي يعمل وفقا لما يؤمن به. هكذا فقط ستصفعهم الحقيقة في وجوههم. وان كانت محتملة امكانية اخرى في أن تدحض الاحداث الجغرافية السياسية التوقعات بالتدهور في مكانة اسرائيل وعندها سيشعر اليمين بان طريقه نجح.
في كل الاحوال فان المعسكر المضاد ملزم بان يبلور معارضة واضحة، مع بدائل سياسية، حزبية، اقتصادية ومدنية. صحيح أنه ليس سهلا البقاء في المعارضة والانقطاع عن مستويات التنفيذ، ولكن هذا سيكون التفسير المناسب لنتائج الانتخابات.
سيدعي المحللون بان هذا نهج يركز على الذات، ولا يرى امام ناظريه مصلحة الدولة ويفضل المصالح الحزبية على المصالح الوطنية. غير أنه لا توجد مصلحة وطنية أهم من الكشف عن الوهم الكامن في فكر اليمين وفي المأزق الذي يقودنا فيه في كل المجالات. فاذا ما ارادت الحكومة اتخاذ قرار سليم في مواضيع الوجودية فانها ستحظى دوما بدعم المعارضة. غير أن هذه ستكون معارضة تسعى ليس فقط الى اسقاط الحكومة بل والى تغيير الرأي العام، ولا سيما بين الجمهور التقليدي والمهاجرين من رابطة الشعوب.
لم يسبق لي ان تحمست ابدا لحكومات الوحدة. فالمنتج النهائي باعث على الاكتئاب ويذر الرماد في العيون. ففي حكومات الوحدة ستتخذ بالفعل قرارات أكثر تعقيدا من تلك التي تتخذها حكومة يمينية، ولكنها لن تكون مختلفة بشكل مبدئي. ناهيك عن أن اقامة حكومة كهذه ستصفي الاحتمال بتغيير الحكم، وهو الامر الذي تحتاجه إسرائيل جدا.
تسيبي لفني، التي اكثر نتنياهو من الهزء بها، منحته نوعا من بوليصة التأمين في الرأي العام العالمي. وهذه البوليصة ينبغي أخذها منه.
لقد أدار نتنياهو حملة انتخابات مليئة بالكراهية والاحتقار لمعارضيه. وقد انتصر، ولكنه حصد العاصفة. والان عليه أن ينظر على نحو سليم الى نتائج افعاله وان يشكل الحكومة التي روج لها في كل الاشهر الاخيرة.
عن "هآرتس"