كل عام وشعبنا بخير

ريما كتانة نزال
حجم الخط

في العيد ولسبب غير مفهوم، تدخل البلد في عطلة ممتدة، تبدو وكأنها قد أرهقها العمل والإنتاج، أو أنها قد تعبت من كثرة دوران عجلة ماكيناتها وآلاتها. لقد فاض الإنتاج عن الاحتياج، ما استدعى إعطاء إجازة كافية للعمال والموظفين والسياسيين وأبناء السبيل.
كل عام وشعبنا بخير، ما بقيت الأعياد تأتي بانتظام، من العيد الأول إلى العيد الأخير، من رأس السنة إلى أخمص قدميها. والعيد في فلسطين حالة فريدة، رحلة خاطفة بين القبور والمجرّة، يتحكم بها السوق والمال والأعمال، فيأخذ العيد اسمه الحركي، الشراء والاستهلاك. 
للأعياد نكهات خاصة، بعضها من اللحم، والآخر بمذاق الكعك والبيض الملوَّن، وجميعها يُسكب عليه منكّهات خاصة  تميزه، وتبرر وجوده، عيد من الشكولاتة المصبوغة بالأحمر، وآخر من عيدان الربيع النيروزي ومن الأعلام والرايات. لكنها في الواقع تملك ملامح متشابهة، وجميعها دون أي تسرع في الأحكام الجائرة، لا تعادل صورة الأحلام التي نشكِّلها أو الأمنيات التي نتمناها.
كل عام وشعبنا بخير، يعيش في إطار صورتين، المضحكات والمبكيات، ملابس «دوبل فيس»، وجه يقابل الاحتلال وآخر يواجه السراب، وجهان مرتبطان بعقد زواج أبدي، يد ترمي حجراً وأُخرى تغازل القمر، والعصمة بيد الاحتلال. 
كل عام ونحن بخير، كأننا نضحك على أنفسنا ونحن نرددها بلا معنى، مجرد كلمات باهتة وباردة، لا تصل ولا تتسلل. تزيدنا وجعاً على وجع، وهمّاً على همّ. فكيف نرددها بلا اكتراث ودون توقف، يلزمنا مجرد برهة لإعادة النظر، في حالنا وأحوالنا.
كل عام ونحن بخير، نعيد انتشار مشاعرنا وقلوبنا وقروشنا، نوزع يومياتنا بين تجاذبات السياسة في العواصم الصغيرة ورغبات العواصم الكبيرة. نتنقل من وحْل الى وحْلٍ أكثر اتساعاً، تمتصنا الرمال المتحركة وتدوخنا الرحلة ويضيعنا الترحال.
كل عام ونحن بخير. نحن في القعر، سادرين في اللامنتهى. متلازمة الموت، في حوادث السير، وتصحر الإنسانية، والحيرة والالتواء. نكرر أنفسنا وآراءنا لتجديد الجواب. كل عام ونحن في حالة ما وتساؤلات.
عيدي فرصة لطرد حالة الانفصام عن الواقع، فرصة للعيش في فطرتي الأولى، طفولتي وقروشي وشرائطي والصور المتحركة، بسطات المخلل والفول وشعر البنات، تعاويذ أمي تحت الوسادة، وعدسات أبي الضاحكة.
ما معنى العيد إن لم نشعر به. العيد ليس تمريناً اعتيادياً يُمارس مع اللحم والكعك..لا عيدَ لنا إن لم نطرد اليأس من قلوبنا، وإن لم نترك أرواحنا تطير في فضاء الفرح، إن لم نغادر رتابتنا واستكانتنا. وإن لم نوقف تبلّدنا الأخلاقي، وإن لم نتوقف عن الشعور بالحسرة على خسارتنا. لا عيد يطل علينا إن لم نُعد الاعتبار إلى نضالنا الوطني، وإن لم نستعد وحدتنا الوطنية، وأولاً وأخيراً أن نكون أسياداً على حياتنا.