جاء قرار المحكمة العليا الفلسطينية مفاجئا للأوساط الإسرائيلية وخاصة منها أوساط الإدارة المدنية والحكم العسكري والمسؤولين الإسرائيليين بشكل عام لأنهم لم يتوقعوا أن يكون هناك قضاء فلسطيني مستقل وأن تكون هناك محاكم فلسطينية تطبق القانون ولا تخضع للمؤثرات السياسية الخارجية.
ولقد اتصل بي الكثير من الإسرائيليين معظمهم من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وبينهم أيضا بعض المسؤولين الإسرائيليين المدنيين وغير المدنيين ، يستفسرون عن قرار المحكمة العليا وكيف يُعقل أن تقرر أمرا لا تريده القيادة السياسية. وكان أكثر شيء أثار دهشتهم هو أن تكون للقدس في نظر القضاء الفلسطيني ، كل تلك الأهمية التي استوجبت على المحكمة العليا إيقاف العملية الإنتخابية لأنها قد تفسر بأنها مساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية بالقدس.
ولا أنكر بأنني شعرت بالاعتزاز وأنا أرد عليهم ، لأنه بقي لدينا بعض مما يثير غيظ الآخرين ويخيب توقعاتهم وحساباتهم ، وأن القدس كانت وستبقى العامل الأساسي الذي يمكن أن يقوم عليه أو يسقط بسببه كل إجراء سياسي.
ولقد استذكرت في حديثي معهم بعض القرارات السابقة التي صدرت عن المحكمة العليا ولم تكن مرضية للقيادة السياسية الفلسطينية ولم تجاريها أو تحابيها ومن بين هذه القرارات قرارات أبطلت أوامر حجز على أملاك بعض من كانوا على خلاف مع القيادة السياسية أو من أقربائهم وقرارات بإخلاء سبيل معتقلين سياسيين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية لجأوا للقضاء الفلسطيني وحصلوا على قرارات بإخلاء سبيلهم ، مؤكدا لهم بأنه رغم كل شيء فإننا نفخر بأن لدينا قضاء مستقلا.
وهنا لا بد من القول بأن قرار المحكمة العليا يثبت بأنها لم تخضع للإعتبارات السياسية أو الضغوط الفصائلية وأصدرت قرارا ، ولو كان مؤقتا لحين البت في موضوع الدعوى ، بأن هناك خللا في قرار مجلس الوزراء يمس بالمصلحة الوطنية وبسلامة الإجراءات التي تقوم على أساسها العملية الإنتخابية وأن الأمور لن تصح ما لم يتم تصويب هذا الخلل.
ولا شك بأن قرار المحكمة العليا والتأجيل الذي تم قد أطال فترة الإعتراضات على سلامة وقانونية الإنتخابات وهنا نطرح سؤالا ً كبيرا وهو ما العمل إذا ما اعتبرنا هذا التأجيل قد أضر بحق الأشخاص الذين لم يكونوا قد بلغوا السن القانونية عند إعداد جداول الإنتخابات ولكنهم وبعد هذا التأجيل وخلال فترة التقاضي قد بلغوا هذا السن. هل يجوز الإجحاف بحقهم في الإنتخاب أم ان من اللازم إعادة تحديث جداول الناخبين وإعادة فتح باب الترشح لللإنتخابات. ولا شك بأن هذا الأمر يتطلب هو الآخر أن يؤخذ بعين الإعتبار من قبل جميع الجهات ذات الصلة.
وثمة أمر آخر اتضح بعد قرار المحكمة العليا من خلال تصريحات بعض القيادات الفتحاوية ، وهو أن أكثر من 180 مجلسا محليا وبلديا قد تم فرض قوائم وحيدة لا منافس لها اعتبرت هي الفائزة بدون انتخابات. وإذا ما عرفنا بأن معظم هذه المجالس التي فازت بالتزكية لم تفز تلقائيا لعدم وجود قوائم منافسة وإنما نتيجة ضغوط هائلة مورست على كل من فكر بترشيح نفسه وإخلاء الساحة عنوة من أي منافس لهذه القوائم لكي يقال أنها فازت بالتزكية.
ولا شك بأن مثل هذا العمل هو إخلال خطير بالعملية الديمقراطية ما كان له أن يكون ، ولا شك بأن قرار المحكمة العليا النهائي والذي نأمل بأن يبطل العملية الإنتخابية سيكون فيه إنصاف لكل أولئك الذين تعرضوا للضغوط وأرغموا على عدم الترشح لإفساح المجال أمام قوائم التزكية التي سميت ظلما في كثير من المناطق بأنها قوائم توافق.
وإذا ما قررت المحكمة العليا في قرارها النهائي بطلان إجراءات الإنتخابات فإننا نأمل من الجهات المختصة إعادة النظر في مجمل العملية القانونية التي تقوم على أساس القوائم في التجمعات السكانية الصغيرة التي يعجز فيها أي فصيل عن تشكيل قائمة انتخابية على أساس الإنتماء لذلك الفصيل فيضطر للدخول في المتاهة العشائرية والحمائلية وتكون النتيجة أن يحمل الفصيل أفرادا ليسوا هم الأفضل ولكنهم فرضوا أنفسهم على حمائلهم وعشائرهم. وبالتالي فإن العودة إلى أسلوب ترشيح الأفراد في التجمعات السكنية التي يقل عدد سكانها مثلا ً عن خمسين ألفا ً سيفتح الباب أمام كل فرد أن يرشح نفسه ويفتح الباب أمام الناخبين ليختاروا المرشح الأفضل لا أن ينتخبوا قائمة لا يريدون أحدا أو بعض من فيها ولكنها تُفرض عليهم كقائمة.
وأخيرا وليس آخرا فإن العبرة التي يجب أن يتعلمها الجميع من تجربة الإنتخابات التي يأمل الكثيرون بأن لا تتم ، هي أن العقبة الرئيسية أمام أي عملية إصلاحية سياسية كانت أم خدماتية هي استمرار الإنقسام والصراع على كراسي الحكم. وإذا لم تبادر كل من فتح وحماس إلى اتخاذ قرار جريء ومسؤول بالتخلي عن تعنتها والدخول في عملية مصالحة وطنية حقيقية فإننا سنكون نحن جميعا ً الخاسرون.
فالزمن يمر بسرعة ، والإحتلال والإستيطان يضرب جذوره عميقا في الأرض ، والعالم يغير جدول أولوياته واهتماماته ، ونحن نهبط باستمرار من جدول اهتمامات العالم الى قرار الهاوية بينما نحن منشغلون في صراعاتنا الداخلية كالأطفال يعبثون والنيران تلتهم البيت من الداخل.