بقلم : راسم عبيدات-
لا الجسد الفلسطيني بخير .... ولا العربي كذلك...فلا يكفينا ما يفعله الإحتلال والإستعمار بنا،الذي يحتل أرضنا وينهب خيراتنا وثرواتنا ويدمر بلداننا وحضارتنا ويقتل ويشرد أبناءنا، بل ان جزءاً كبيراً من تلك المصائب والمآسي من صنع ايدينا نحن.
نحن مسؤولون عن الانقسام وضعف حالتنا الفلسطينية اولاً وعاشراً، ومشاريع الفوضى الخلاقة وتفكيك واعادة تركيب جغرافيتنا على أسس مذهبية وطائفية، وخلق كيانات اجتماعية هزيلة خادمة للمشاريع والمصالح المعادية في بلداننا العربية، نحن المسؤولون عنها بإمتياز، فالكثير من القيادات العربية لا تملك قرارها وإرادتها السياسية، هي مرتهنة في كل شيء حتى في مصائرها للخارج، بساطير مؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين، هي من تتحكم في اقتصادنا،وحتى أسعار سلعنا ورواتب نوابنا ووزرائنا،ونحن من ندفع ثمن أسلحة قتلنا ودمارنا وإحتلالنا.
نحن السبب المباشر في افقار شعوبنا وتعميم ثقافة الجهل والتخلف واحتجاز التطور،بسبب قيادات حولت شعوبها الى عبيد وبلدانها الى مزارع واقطاعيات وراثية وعشائرية،نحن ما زلنا نقتتل على من احق بالخلافة علي أم معاوية!!!...وتفرقنا شيعاً وقبائل، ونصب البعض من نفسه ممثلاً لله على أرضه يكفر ويخون ويمنح صكوك الغفران والايمان..وبسبب الفتن والإنقسام المذهبي (سني- شيعي- علوي) في العالم العربي وجدنا أئمتنا ورجال ديننا ودور افتائنا لا تفتي بالحق ولا بالشرع و لابدين الله، بل أصبحت تفتي، فتاوى سياسية خدمة للسلاطين حباً وطمعاً بالمال.
في ظل حالتنا البائسة فلسطينياً،حيث الإنتخابات المحلية والبلدية تاجلت لأسباب سياسية وضغوطات إسرائيلية وعربية وإقليمية ودولية، وتعمقت ازمة النظام السياسي الفلسطيني، وتغلف التاجيل بأسباب قانونية وإدارية وعدم شمولها لمدينة القدس، وهذا الوضع وغيره من الأوضاع يعطينا صورة عن الواقع الفلسطيني المحزن، حيث ثلاثة من الأسرى الفلسطينيين يواصلون اضرابهم عن الطعام اثنان منهم الأخوان البلبول مضى على اضرابهم حوالي (75) يوماً،وحركة التضامن والتفاعل الشعبي والرسمي معهما، دون المستوى المطلوب، حيث عدم انتصار الحركة الأسيرة المنقسمة اداتها الوطنية التنظيمية والغائبة عنها القيادة الإعتقالية الموحدة لذاتها، يجعل من حركة التضامن والتفاعل مع تلك الإضرابات الفردية او الفصائلية، دون المستوى المطلوب، وبالتالي تصبح الفعاليات والمناشطات الخادمة لقضيتهم،كانها من باب رفع العتب او تعبيراً عن قناعة وسلوك عند البعض،ولكنها لا تكتسب الزخم الشعبي الكبير والشامل، وفي مناشطة للتضامن مع الأسير بلال الكايد الذي فك إضرابه بعد أن انتصر على جلاده، دعت لها القوى الوطنية والإسلامية في رام الله امام سجن "عوفر" كان عدد الصحفيين يوازي عدد المشاركين، وهناك من القوى التي شاركت في القرار لم تحضر، في دلالة على حالتنا البائسة.
ملف آخر لم يغلق حتى اللحظة وإن جرى تسليم جثامين كل شهداء القدس لأطول فترة احتجاز لها، لكن هناك عشرة جثامين لشهداء من الضفة الغربية لم يجر تسليمها، فكيف لأم أسير مضرب عن الطعام يتهدده الموت في أي لحظة ان تحتفل بعيد..؟؟ وكذلك هي ام الشهيد التي لم تحتضن جثمان ابنها الشهيد لكي تودعه بما يليق به وتنطفىء نيران قلبها، وأيضاً هن أمهات وزوجات وأطفال بقية أسرانا، وبالذات من مضى على وجودهم في الأسر ربع قرن واكثر، والذين عدد منهم غادرت امهاتهم وأباؤهم دار الدنيا لدار الآخرة، دون ان تكتحل عيونهم برؤيتهم وإحتضانهم، وكيف سيفرح طفل بالعيد ووالده خلف القضبان لم يشتر له لعبة وملابس العيد..؟؟.
وما ينطبق على أطفال شعبنا الفلسطيني، ينطبق على أطفال أمتنا العربية،حيث الحروب المذهبية والطائفية، حروب الأخوة الأعداء التي يغذيها البعض منا، ممن فقدوا البوصلة والإتجاه، وحرفوا الصراع عن أسسه وقواعده، حيث تحصد العشرات منهم يوماً، ناهيك عن الإعاقات الدائمة، والتهجير والتشريد واليتم، والموت غرقاً في البحار أو متاهات الدروب والبرادات المثلجة الناقلة للبضائع في هجرة غير شرعية املتها ظروف الحرب والقتل، وما يترتب على ذلك من مآس اجتماعية وعوز اقتصادي وجوع وفقر وبيع في سوق النخاسة لهم ولأخواتهم وامهاتهم.
جاؤوا بكل الشذاذ والمرتزقة واللصوص والمجرمين والإرهابيين من كل بقاع الدنيا وألبسوهم ثوب الدين قسراً، وزجوا بهم في بلداننا العربية،تارة من اجل إقامة ما يسمى بالخلافة، وأخرى من اجل تخليص بلداننا من "الطواغيت"، وإقامة أنظمة حرة وديمقراطية؟؟؟، وكأن ما حل بالعراق من دمار وخراب،تحت تلك الحجج والذرائع الواهية التي صاغها الأمريكان والغرب الإستعماري المجرم،ليست بكافية لنا،لكي ندرك بان الهدف قتل شعوبنا وتدمير بلداننا، واحتجاز تطورنا ونهب خيراتنا وثرواتنا، وتفكيك جيوشنا!!.
والمأساة انك تجد من يمول ويسلح ويضخ الإحتياط البشري الإرهابي خدمة لتلك المشاريع،وهو يدرك تماماً بأنها مهما كانت نتيجتها، ستبقى تأثيراتها السلبية عميقة وطويلة على مستقبل أمتنا العربية، وهو لن ينجو من تأثيراتها، حيث يعتقد بأن حماية كرسيه وعرشه وإمارته ومملكته تجعله في مأمن.
ألم يحن الوقت لنا كفلسطينيين وعرب، ان نجري مراجعة شاملة، ونقداً عميقاً للذات، بأن استمرار اوضاعنا على ما هي عليه من هوان وضعف وإنقسام وحروب مذهبية وطائفية، يقودنا نحو الدمار والخراب، والتفكك والتقسيم والتجزئة وضياع الحقوق، وبأن نصبح أدوات بأيدي الغير، لا دور لنا سوى تنفيذ مخططاته وخدمة مصالحه واجنداته، من دمنا وجغرافيتنا وثرواتنا وخيراتنا، غرب مجرم واستعماري، ينظر الينا على اننا كم بشري زائد، لا دور ولا قيمة لنا إلا بقدر خدمة رفاهية شعوبه ونمو اقتصادها؟؟؟.
نعم بلغة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، نظرة الغرب الإستعماري لنا بأننا نحن النجس الشرقي، الخادم له. علينا أن نصحو ونتخلص من كل الزوائد والطحالب العالقة في الجسد العربي، تلك الزوائد والطحالب التي لا هم لها سوى تحويل بلداننا وسلطاتنا ومؤسساتنا الى مزارع واقطاعيات وممالك عشائرية وقبلية، فتلك الزوائد تحول دون تقدمنا وتطورنا وتخلصنا من الجهل والفقر والتخلف والتبعية، فهي أدمنت على عقدة "الإرتعاش" السياسي الدائم في تعاملها مع أمريكا والغرب الإستعماري، بحيث اختفت كلمة لا من قاموسها السياسي في كل ما يتعلق بالتعدي على حقوقنا وبلداننا وامننا القومي ومقدساتنا.
رغم كل هذه اللوحة السوداوية، لكن هناك بقع مضيئة ، حيث نعول على كل قوى المقاومة والممانعة في وطننا العربي، أن تستنهض وتستجمع كل طاقاتها وإمكانياتها ومكامن قوتها، لكي ينتصر هذا المحور ويعيد لأمتنا مجدها وكرامتها، ولمشروعنا القومي العربي ركائزه الأساسية وتوازنه، كمقدمة لبناء مجتمع عربي موحد خال من قوى الطغيان والإستعمار.