رداً على صقر أبو فخر: كنتُ في «الجبهة الشعبية» يوم تأسيسها!

basam-abu-shareef88
حجم الخط

إن التجريح الشخصي يُفقد المقولة قيمتها، لأنه ينحرف بصاحبها عن مناقشة الرأي ويُعلي من شأن الذم عوضاً عن ذلك. فما بالك بشخص يعتبر المعلومة رأياً يناقشه ويجرّح تالياً بقائلها؟ لم أشأ بداية أن أكتب إلى صفحة «الرأي» في جريدة «السفير» رداً على تجريح وأخطاء وردت في مقالة للكاتب صقر أبو فخر بعنوان «بسام أبو شريف وعشاء القرباط». لكني وجدت الأمر ضرورياً لتوضيح بعض الأمور الأساسية. ولن أطيل لأني سأكتفي بواحدة منها، كي أُبيّن وقوع الكاتب في حفرة اللامنطق، لاعتباره الرأي معلومة والمعلومة رأياً. ولن أناقش مقدمة المقالة برغم ما فيها من ذمّ لا أرغب باعتماده أسلوباً.
أراد الكاتب صقر أبو فخر في مقالته أن يقول إن ما جاء في حلقات تلفزيونية بثتها قناة «الميادين» ثم نشرتُها في كتاب بعنوان «حقيبة التاريخ» ليس صحيحاً، وأبرز مثال على ذلك هو أن بسام أبو شريف ليس واحداً من الذين أسسوا أو ساهموا بتأسيس «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، كما ذكرت مقدِّمة البرنامج لينا زهر الدين.
هل يملك الكاتب حقاً معلومات عن تأسيس «الجبهة الشعبية» حتى يسترسل في هذا الأمر، وكأنه كان من القيادات الحاضرة وقتها؟ بالطبع لا.
ثم ماذا يعني الكاتب بحديثه عن «تأسيس» «الجبهة الشعبية»؟ هل يعتبر أن المؤتمر الأول للجبهة هو المؤتمر التأسيسي مثلاً؟ إن كان الأمر كذلك، فقد كنتُ عضواً في المؤتمر. أما إن كان يقصد بعملية التأسيس إعلان ولادة «الجبهة الشعبية» في بيان علني، فقد صغتُ هذا البيان مع المرحوم غسان كنفاني. وأما إن كان يقصد بعملية التأسيس انتخاب أول قيادة لـ «الجبهة الشعبية» (اللجنة المركزية والمكتب السياسي والأمين العام)، فقد انتُخبت عضواً في أول لجنة مركزية، وفي أول مكتب سياسي لـ «الجبهة الشعبية».
وإن كان أبو فخر يقصد بالتأسيس عملية التحضير للمؤتمر الأول الذي عُقد في عمان في العام 1968، فقد كنت عضواً في اللجنة التي يرأسها الدكتور جورج حبش، المكلفة بالتحضير للمؤتمر. وظللت حتى يوم اعتقال حبش في دمشق أساهم تحت إشرافه في عملية التحضير، وبعد اعتقاله تابعت الأمر تحت إشراف الدكتور وديع حداد. وعندما عُقد مؤتمر آب 1968، كنتُ من أعضائه المنتَخبين في الأردن. وقد تسبّب الخلاف بين نايف حواتمة ومجموعته وبين بقية الأعضاء، على رأسهم وديع حداد، بعدم انتخاب قيادة للجبهة، وبالاكتفاء بتعيين قيادة مؤقتة (قيادة طوارئ) لها مهمة مركزية تتمثل بالتحضير لمؤتمر جديد، وبالإشراف على انتخابات جديدة لأعضاء المؤتمر. وقد جرت الانتخابات وكنت ممن انتُخبوا في عضوية المؤتمر الذي كان يُفترض أن يُعقد في عمّان في شباط 1969، لكنه لم يلتئم لتغيب حواتمه ومجموعته عنه. وكان «الحكيم» جورج حبش قد حُرّر من السجن وحاول المستحيل لإقناع حواتمه بحضور المؤتمر، وبالقبول بنتائج الانتخابات كما يُفترض أن يحصل في أي عملية ديموقراطية. لكن الأخير رفض وقرر الانشقاق، ومرت فترة قصيرة نعيش في ظلها حالة طوارئ، كانت خلالها المسؤولية بيد حبش ومَن يكلفه بالمهمات، وقد تسلمت مهمة الفرع الخارجي والإعلام، وفي أول انتخابات لقيادة الجبهة انتُخبت عضواً للجنة المركزية وعضواً للمكتب السياسي.
هذا واحدٌ من الأمثلة عن «المعلومة» التي لا يمكن أن تكون محل جدل. فوجهات النظر قد تطرح حول البرنامج، وقد يكون للإنسان رأي ضد انتخابي عضواً في المكتب السياسي. لكنها لا تعود وجهة نظر إذا ما «ناقشت» انتخابي من عدمه. من هنا، فإن تقييم الكاتب لي يشكل وجهة نظر، طالما أنه لا يمس حقيقة مفادها أني كنت واحداً من أعضاء القيادة الأولى لـ «الجبهة الشعبية» وأحد مؤسسيها. أكتفي بهذا المثال حتى أدلل على محاذير الوقوع في حفرة اللامنطق وما يصحب ذلك من قدح وذم، علماً أني أؤكد احتفاظي بحقوقي كاملة في ما يتصل بهذا الأمر.