في كل عيد أجمع خياراتي وأبحث عن سبل جديدة لأستمتع بإجازة تليق به، فمرة أقضيها مع الأصدقاء ومرة أكتشف عوالم جديدة... ولكن هذه المرة مختلفة.. فقد قررت أن أمضي عطلة عيد الأضحى هذا العام بأسلوب مختلف عن الأعوام التي مضت، فالأيام المتاحة لي الآن أطول والمساحة أوسع ...
عدت الى شويكة بيت العائلة الدافئ كي أقوم بأعمال لم أنفذها منذ زمن بعيد، فكنت العامل الذي يرفع وينقل الحصى والبلاط في محاولة للمساعدة ببناء منزل العائلة، فتكسرت عضلات جسدي تعباً، وكنت الفلاح ابن أبي الذي يجزّ العشب ويقلّم الأشجار ويقطف الثمار عن أمها ... فنالني أيضا قسط من ذاك التعب الجميل.
وقررت أيضا في زحام العيد أن أتواصل مع أصدقاء ومعارف من الماضي منذ زمن وسنوات لم يتح لي الوقت لرؤيتهم في خضم الأحداث اليومية او التحدث معهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وهم من أبناء بلدتي شويكة أو من محافظة طولكرم.
استمعت لأجيال جديدة من أبناء بلدي في محض صدفة عند بائع الفلافل الذي يتوسط القرية "محل ابو منصور"، فكنت ذاك اللص الذي يسترق السمع لنقاشهم دون التدخل بأحاديثهم، واسمع غصات حديثهم، فأغلبهم يتحدث عن التصاريح التي وعد بها الاحتلال الإسرائيلي فترة العيد، فتجدُ من يعبّر عن ذلك بسعادة وهناك من لم يحالفه الحظ فيعبّر عن الموضوع بطريقة أخرى، لكنهم جميعاً يريدون سبر أغوار البحر..
ليلة العيد سهرت حتى الصباح أتحدث مع بعض من كادر حركة فتح، كانت أشبه بجلسة تنظيمية، تم فيها تشخيص الواقع في مدينة طولكرم على كافة الأصعدة، وتحدث كل شخص بما يجب أن يكون، وعن عدم الرضا من تشكيل قائمة الحركة في الانتخابات المحلية، حيث كان بالإمكان أن تكون أفضل بكثير من واقعها الحالي، ويعود ذلك الى العمل في الوقت الضائع وعدم إشراك من يجب أن يشاركوا بهذه العملية، وان كان ذلك على اقل تقدير بآرائهم في أدوات وتحديد آليات الاختيار؛ وأجمعنا بأن هناك ناراً تحت الرماد، فان لم تستشعرها القيادة اليوم فسيشعرون بها غدا، فان اختارت الا تراها فهي ستشتعل بهم لا محالة.
مصادفة أجتمع مع هؤلاء الأصدقاء، حالة من الغضب تجمعهم ضد كل من حولهم، فهم كالبركان يثورون إن تحدثت دفاعاً عن السلطة والحكومة؛ يتهكمون على واقعهم ويحزنون على ماضيهم بكلمات أقلّها: أنا لم أناضل طيلة حياتي كي نصل الى ما وصلنا اليه اليوم، ... كلماتهم حرقت قلبي ومزقتني إرباً، فمنهم من حدثني عن احتياج طفله للعلاج!! ومنهم من حدثني عن همه الوحيد وهو توفير طعام يومهم وتأمين احتياجات أسرهم.
في شوارع المدينة والقرية وجدت أكواماً من النفايات المتراكمة، وقد يصيبك الدوار ما بين بشاعة المنظر ورائحة المكان، ويصيبك الحزن لما وصلنا إليه من حالة مزرية مهما كانت الأسباب: فالبعض يبرر هذا المشهد بالانتخابات التي تم تأجيلها، أو نتيجة لخلافات في البلدية، والمحاولة في إفشال شخص ما استلم منصباً جديداً في البلدية. ومهما كانت ماهية الأعذار والأسباب فهي لا تعني المواطنين الذين يتطلعون الى حياة آمنة ومستقرة. ان الألم الذي سببه لي العمل والجهد العضلي، كان بسيطاً مقارنة بالواقع الذي عشته؛ ما سبب لي حالة من التعب الذهني ربما من حيث المقارنة والفكير من جهة، واسترجاع الماضي وذكرياته.
إن أصعب درس تعلمته بأن لكل منّا معركة مختلفة في الحياة، نتصارع معها منفردين غير مكترثين للمعركة التي تجمعنا وأثرها على حياتنا اليومية والمستقبلية وعلى أطفالنا وأجيالنا القادمة، حتى القضايا التي يجب أن نقاتل من أجلها بشكل جماعي، فقدنا الإيمان بقيمة هذا العمل من أجل حلها!! وتفردنا بحلها فالجميع يسعى لتسجيل أهدافه في الآخر حتى لو كان على حساب العمل المجتمعي، والكل يلعب دور الحاكم ويطلق الحكم الرباني، وعلى الجميع أن يقول سمعاً وطاعة.
وبين فنجان قهوة وآخر نستذكر طفولتنا.. ونستذكر يوم استقبالنا القيادة في أريحا... نستذكر ماضياً كنّا نرسم به مستقبلا بمفاهيم غدت بعيدة كل البعد عن واقعنا الآني!! ومع كل شفة قهوة ما زلت مؤمنا أننا برغم ذلك سنبقى متمسكين بالحلم الذي رسمناه ونتشبث به الى حين تحقيقه.