المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل.. قراءة مختلفة!!

هاني حبيب
حجم الخط

قياساً للحدّ الأدنى الذي كانت تطالب به حكومة نتنياهو أثناء المفاوضات مع إدارة اوباما للتوقيع على اتفاق الدعم العسكري الأميركي للدولة العبرية، فإن هذا الاتفاق، وعلى عكس العديد من التحليلات، جاء بأقلّ كثيراً من سقف التوقعات الإسرائيلية، ويلبي مصالح أميركية أكثر من أن يتعاطى مع المصالح الإسرائيلية المباشرة، وللحديث عن المصالح الأميركية، فإن القصد هنا، المصالح المرتبطة بالحزب الديمقراطي ومستقبل هذه العلاقات والمصالح في حال فازت كلينتون في انتخابات الرئاسة قبل بضعة أسابيع.
فقد كانت إدارة نتنياهو تتمسك طيلة الوقت بدعم عسكري أميركي بقيمة 4.5 مليار دولار سنوياً في الاتفاق الذي سيستمر مفعوله عشر سنوات تبدأ في العام 2018، إلاّ أن واشنطن تمسّكت بسقف قيمته 3.8 مليار دولار، بما في ذلك نصف مليار دولار تقدمها واشنطن سنوياً للدولة العبرية توجه لدعم برامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلية.
«إنه أكبر التزام بتقديم مساعدة عسكرية ثنائية في تاريخ الولايات المتحدة» هكذا وصفت وزارة الخارجية الأميركية اتفاق الاطار الذي تم توقيعه الأربعاء الماضي بين الجانبين، بينما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وصفه بأنه تاريخي لأنه يتضمن «مساعدات أميركية أمنية غير مسبوقة لإسرائيل» بينما علق مدير عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد دراسات سياسات الشرق الأدنى، ديفيد ماكوفسكي، مشيراً إلى أن هذا الاتفاق «رسالة مهمة للجميع بعدم إساءة تفسير الاختلافات حول قضايا مثل العلاقة مع إيران والملف الفلسطيني، ذلك أن الولايات المتحدة، وفي العمق، ما زالت ملتزمة جداً بأمن إسرائيل على المدى الأبعد»!!
إلاّ أن أية متابعة دقيقة للمباحثات التي جرت بين الجانبين قبيل التوصل إلى الاتفاق، تشير إلى أن هذا الاتفاق يشكل انتكاسة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، ويمكن الحديث في هذا السياق عن «تنازلات إسرائيلية» تحت مبرر أن ما يمكن الحصول عليه الآن قبل مغادرة اوباما البيت الأبيض، أكثر ضماناً، مما يمكن الحصول عليه مستقبلاً سواء نجح ترامب أو كلينتون في الوصول إلى البيت الأبيض، إلاّ أن ذلك المبرر يمكن الردّ عليه بسهولة، وهو الأمر الذي أشارت إليه بعض التصريحات المعترضة على ما تم التوقيع عليه بين الجانبين.
بمراجعة أموال الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، يمكن ملاحظة وبسهولة، أن هذا الدعم تزايد بشكل قياسي بعد حرب اكتوبر 1973 فأثناء تلك الحرب تلقت إسرائيل مليار دولار، وفي السنة التالية، منحت الإدارة الأميركية الدولة العبرية مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار (ما يعادل 12.5 مليار دولار بأسعار الصرف الحالية) وفي عام 1976، تلقت إسرائيل مساعدات أميركية بقيمة 2.3 مليار دولار (9.6 مليار دولار بأسعار الصرف الحالية، وبعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، خصصت واشنطن مساعدات مالية بلغت 4.7 مليار دولار (15.7 مليار دولار بأسعار الصرف الحالية.. لذلك كله طلب نتنياهو دعماً عسكرياً أميركياً بقيمة 4.5 مليار دولار سنوياً، لكي تصبح أرقام الدعم إلى تصاعد، ومن قراءة هذه الأرقام فإن 3.8 مليار دولار، ليس هو المبلغ الأكبر في تاريخ الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، كما يشير نتنياهو في محاولة للتغاضي عن تسرعه في التوقيع على هذا الاتفاق! علماً أن هناك نصف مليار دولار، كانت تصرف لإسرائيل من قبل الكونغرس سنوياً تحت عنوان «أبحاث الصواريخ» لن تتمكن الدولة العبرية من الحصول عليها، لأنها وفي اطار الالتزام بالاتفاق الجديد، لن تتوجه إلى الكونغرس خلال السنوات العشر لطلب مساعدات أمنية أميركية [إلاّ في حالة نشوب حرب، وهذا مأخذ إضافي، إذ إن الاتفاق قد يشجع إسرائيل على الدخول في حروب ربما تتورط واشنطن بذيولها وتداعياتها وتهدد مصالحها].
ويتضمن الاتفاق الجديد، إلغاء ما جاء في الاتفاق القائم الآن، باستخدام ربع المساعدات الأمنية الأميركية للانفاق على صناعاتها الدفاعية، عوضاً عن شراء أسلحة ومعدات عسكرية إسرائيلية، حيث تقدر خسائر إسرائيل من جراء هذا البند بمليار دولار سنوياً.
السيناتور الأميركي عن الحزب الجمهوري والمشرف على ميزانية المساعدات الخارجية الأميركية، ليندسي غراهام، قال إنه كان بإمكان نتنياهو الحصول على صفقة أفضل في اي ولاية قادمة سواء لترامب أو كلينتون، لأن كليهما أكثر كرماً وليونة في التعامل مع المطالب الإسرائيلية من اوباما، وعلّق بالقول لنتنياهو «لقد تركت أموالاً على الطاولة».
من دون شك فإن هذا الاتفاق، يدعم بشكل شامل التفوق العسكري الإسرائيلي، ويزيد من تفاعلات التعاون الاستراتيجي بين الطرفين، إلاّ أنه مع ذلك، اقل مما أرادته حكومة نتنياهو، وهو ليس الاتفاق الأفضل بالنسبة للدولة العبرية التي راهنت على اتفاق أكثر سخاء.. مع أن اوباما لم يقصر في هذا السخاء، أيضاً!!