عادت الهبّة الشعبية الفلسطينية مجدداً إلى الواجهة بعد تصاعد الهجمات على المستوطنين وجنود الاحتلال. وخلافاً للانطباعات التي حاولت إسرائيل إشاعتها الشهر الماضي حول خبوّ الهبة، تعاظمت التقديرات بتصاعدها قريباً، خصوصاً في ظل الجمود السياسي وتفاقم ممارسات الاحتلال واعتداءاته الاستيطانية.
وقد أفلح فلسطيني أمس في مهاجمة قائد سرية إسرائيلي داخل مستوطنة. وتكررت في الأيام الماضية حوادث الطعن والدهس في مناطق عدة في الضفة الغربية المحتلة. ووفق المعطيات الإسرائيلية، فإن عملية اقتحام مستوطنة وطعن جندي فيها، كان الحادث السادس خلال الأيام الثلاثة الماضية. غير أن الأنظار تتجه نحو القدس في فترة الأعياد اليهودية المقبلة، حيث تتزايد اعتداءات المستوطنين وتتنامى عمليات المقاومة الشعبية في مواجهتهم.
وقد عززت إسرائيل في الأيام الأخيرة قواتها في كل من الخليل والقدس حيث أرسلت كتائب وألوية لزيادة الحراسات ولإظهار الوجود العسكري كعاملٍ رادع. وضمن إجراءات احترازية، قررت إسرائيل منع دخول العمال الفلسطينيين إلى مناطق بعينها، لتقليل الاحتكاك.
ويسود اعتقاد بأن الأحداث الأخيرة تخالف الانطباعات التي حاول الجيش الإسرائيلي إشاعتها مؤخراً. وكشفت الصحف الإسرائيلية مؤخراً عن تقديرات الجيش التي عرضت في المداولات المغلقة مطلع الشهر الحالي، والتي أفادت بقرب انتهاء الهبة. واعتمدت التقديرات على تراجع منسوب العمليات ضد المستوطنين في الشهرين الماضيين. وعَرَضَ الجيش أسباباً لذلك، بينها تراجع ما تسميه إسرائيل التحريض ضدها في وسائل التواصل الاجتماعي والوجود المكثف للقوات الإسرائيلية وما يعتبرونه سياسة حكيمة من جانب رئيس الأركان للحفاظ على روتين الحياة الفلسطينية.
وربما لهذه الأسباب، يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في ورطة جراء سوء تقديره للموقف. وقد يندفع البعض للقول بأن جانباً من التوتر الجديد يعود إلى السياسة التي أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، والتي أسماها «العصا والجزرة». ولذلك سارع عدد من قادته للإيحاء بأن عيد الأضحى شكل مناسبة للتوتير وتصعيد الهبة.
وكتب المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت» اليكس فيشمان أنه «ينبغي الإقرار بالواقع: أحدٌ في المؤسسة الأمنية لا يمكنه أن يشرح لماذا اندلعت في نهاية الاسبوع الماضي بالذات موجة خمس عمليات متواصلة في مناطق مختلفة. ولكننا مرة اخرى تلقينا تذكيراً بحقيقة أن الهدوء في الضفة مؤخراً هو هدوء وهمي، تحته لهيبٌ يعتمل لجيل شاب مستعد لأن يخرج لعمليات تضحية».
واعتبر فيشمان أن «العمليات الأخيرة هي مجرد طرف الجبل الجليدي. وهي مع ذلك ليست الخطر المركزي، المتصاعد، الذي حددته الاستخبارات في السنة الماضية: الانتظام بإلهام من داعش، ولا سيما في منطقة القدس وفي شمال السامرة. عشرات الشباب الذين اعتقلتهم الاستخبارات هذه السنة خططوا لتنفيذ عمليات بالأسلوب الذي رأيناه مؤخراً في أوروبا، مثل إطلاق النار بلا تمييز في التجمعات السكانية، منفذين انتحاريين للعمليات، عمليات دهس مثل الشاحنة في نيس في فرنسا».
وخلص فيشمان إلى أن الأحداث الأخيرة «إشارة تحذير يحظر الاستخفاف بها. فأحد السيناريوهات المعقولة لانفجار المواجهة المسلحة بين اسرائيل وأعدائها يبدأ بموجة عنف في الضفة أو في القدس، ينتقل الى قطاع غزة والى مواجهة عسكرية مع القطاع، ومن هناك تشتعل ايضاً جبهة لبنان. عندما يتحدث قائد الجبهة الداخلية عن سقوط 230 ألف صاروخ في اليوم على اسرائيل، فإن ذاك المنفذ الفرد لعملية في الخليل من شأنه أن يكون ـ حسب سيناريو التدهور لدى الجيش الاسرائيلي ـ هو المحفز لسلسلة التفجير».
واعتبر المعلق الأمني في «معاريف» يوسي ميلمان أن «الوهم تبدد»، وأن «الهبّة تعود وعلى الأرجح سوف تتعاظم». وأشار إلى أن «هدوء الأسابيع الأخيرة خلق لدى الإسرائيليين وهماً بأن الفلسطينيين سلّموا بالاحتلال، وبسيادة المستوطنات وروتين الحياة اليومية تحت الضائقة الاقتصادية. ولمناسبة مرور عام على انطلاق الهبّة، تلقت إسرائيل تذكيراً جديداً بأن العنف لن يفارقنا، وأنه يتحرك فقط في أبعاد زمنية متغيرة». وأوضح ميلمان أن الجيش الإسرائيلي يستخدم حالياً 40 في المئة من قواته في أعمال حراسة في الضفة الغربية وأنه سيضطر إلى زيادة قواته بسبب التقدير بأن الهبّة ستتصاعد في فترة الأعياد اليهودية.
وهناك خشية في إسرائيل عبّرت عنها سيناريوهات المناورة الكبرى التي سيجريها الجيش الإسرائيلي من أن اندلاع المواجهات في منطقة قد يقود إلى فتح جبهات أخرى. ومع ذلك، فإن التقدير هو أنه ليست هناك مواجهة واسعة قريبة في الشمال، لكن المواجهة في الأراضي المحتلة ومع قطاع غزة أكثر احتمالاً.