الأسبوع الماضي…. شهد إعلان الخليل المدينة الحرفية في العالم للعام 2016، والأسبوع الحالي سيشهد مهرجان العنب 2016 في حلحول، وما بين الحدثين قاسم مشترك، هو الخليل، الخليل الباقية على حضورها الشامخ، تماما كجبالها الشمّاء، فهي الخليل.
الخليل.. المدينة الحرفيّة، خيار لم يأت من فراغ، والخليل إذ تقترن بالصدارة فهذا لأنها أهلٌ لذلك، ففيها الإبداع والمهارة، وفيها الحرص على التميّز دوما، فطيب الإبداع في تصميم الخزف من بحر إبداع بنيها نهل وغرف، ومضت الخليل وقد بثّت في شريان الإبداع نبضا دافقا من موهبة لا تدانيها مواهب، العالم كلّه صوّت للخليل، واختارها عن قناعة، هذه هي الخليل، وكأني بها باختيارها تزهو باهية، وقد غسلت جراحها بزيت من شجرة الوطن المباركة.
المدينة الحرفية ومن قلب مدينتها القديمة ينطلق الإبداع، وقد كنت قبل أسبوع في زيارة لمركز الخزف، فعشت مع المهارة والإبداع، وصانع أكواب الفخار وزخرفتها يبدع في عجالة، هي مهارة استوقفت الجميع، فكان أن دانت للخليل سطوة مكانة بها تليق، والخليل ببلدتها القديمة عازمة على مواصلة الطريق، ففيها أسكن الإبداع جلّ أسراره، ومضت تعلنها بثقة لا يعتريها ضبابية أو تراجع: هنا المهارة إذ تنسج عباءة عزها وتتباهى، مع روح الأصالة تتماهى، صوت إبداعها إلى ربوع الأرض تناهى.
المدينة الحرفيّة......وبانتظار أن يكون هناك جهدٌ موجٌّ للاحتفاء......بمدينة زاوجت بين المهارة والكبرياء، بمهارات توارثها الخلف عن السلف، بحكاية تتواصل، بمدينة ما برحت تقدّم الدليل تلو الدليل بأنها أهل للإبداع، فمبارك يا خليل الرحمن، ودامت أنامل بنيك ترسم لوحة زاهية باهية لاسمك، ليتداخل الاسم والمضمون وقد حملا معهما التأكيد بأحقيّة أن تكون الخليل المدينة الحرفيّة.
هو اختيار لا يقتصر على الإبداع في الصناعة، بل على الفنّ والأصالة، على الثقافة والسياحة، وعلى التاريخ، وكلها مضامين حريّ بنا أن نعيد استحضارها؛ والخليل تتأهب لاستثمار هذا الاختيار بشكل يعيد للمدينة بعضا من كبريائها مع أن كبريائها دوما شاخص ماثل لا يغيب.
هي الخليل، حبّات العنب فيها كأنها دُرر، ففي كرومها أسكن التاريخ بعضا من ملامحه، فتوسدّت دواليها أرض عز وعطاء، ومضت تقدّم الدليل بأنها للأصالة عنوان، عنب الخليل عناقيد عزّ وكبرياء، وعلى جبالها توزّع العنب وقد امتدت شروش دواليها في أعماق الناس قبل أن تمتدّ في أعماق الأرض.
بعنبها تغنّى الشعراء، وقالوا فيما قالوا: الشهد في عنب الخليل.
ومضت وقد توسّل عز الدين مناصرة للعنب بألا يثمر كيلا يكون من نصيب غير أصحابه الأصليين، فخاطبه قائلا:
سمعتُكِ عبر ليل النَزْف أغنيةً خليليَّةْ
يردّدها الصغارُ وأنتِ مُرخاةُ الضفائِر
أنتِ داميةُ الجبينْ
وَمَرْمَرَنا الزمان المرُّ يا حبّي
يعزّ عليَّ أن ألقاكِ ... مَسْبِيَّهْ.
سمعتك عَبْر ليل الصيف أغنيةً خليليّة :
- خليلي أنتَ: يا عنب الخليل الحرّ ... لا تثمر
وإنْ أثمرتَ، كُن سُمًّا على الأعداء، لا تثمر!!!
* * *
هو موسمٌ تستعيد فيه الخليل جانبا من جوانب إبداعها، وتعزف كرومها بإبداع مزارعيها أنشودة الفرح، دابوقي وحمداني وغيرها من أنواع العنب تتدلّى وتزهو مفاخرة.
هو موسم من مواسم الفرح، وإطلالة جديدة تحمل معها ملامح التأكيد ببقاء ملاحم العطاء، وكأني بإبراهيم طوقان يرددها:
أعداؤنا مذ جاؤوا الأرض صيارفة ******* ونحن مذ جئنا الأرض زرّاع
عنب الخليل.... بدبسه وبملبنه، وبال" عن طبيخ"..........وبالزبيب، وبغيرها من المنتوجات، يؤصّل لجانب مشرق، وفي كثير من مناطق الخليل هذه الأيام تتواصل صناعة هذه المنتوجات بطقوس يحكمها الفرح.
الخليل ما بين مهرجان العنب، والمدينة الحرفيّة، تتصدر المشهد من جديد، فتعود لتعاود انطلاقتها، وتمضي، وقد حازت على اعتراف دولي بأنها موطن إبداع وفن.
مبارك للخليل، والكل مطالب بأإن يجعل من هاتين المناسبتين فرصة للاحتفاء بالخليل، ومنحها مزيدا من الاهتمام رسميا وشعبيا، فالخليل تستحق، وفلسطين كلها تستحق أن نعلي راية كل بقعة فيها.