موجة العنف الجديدة: لماذا الآن؟!

000_Nic6493827
حجم الخط

تأبى موجة «الارهاب» الفلسطيني ان تخبو. فالارتفاع الدراماتيكي في عدد محاولات العمليات منذ نهاية الاسبوع (عددها 10) تذكير أليم بميل متواصل  نحو العمليات «الارهابية» من جانب المنفذين الافراد منذ اندلاع «انتفاضة السكاكين» قبل نحو سنة. وبشكل عام، فان تصفية المنفذين في ساحات العمليات تغذي منذ الآن خطاباً مناهضاً لإسرائيل واليهود وحماسا في اوساط الشبان الفلسطينيين في الضفة في الشبكات الاجتماعية، يجد تعبيره في تعظيم مكانة المنفذين، ودعوات الثأر ضد اسرائيل، ناهيك عن مساهمة مصممي الرأي العام من حركة حماس، ممن يتدخلون في الخطاب على الشبكة ويعزفون على الاوتار العاطفية والسياسية لغرض تشجيع استمرار الميل.
وعليه، فلماذا نشهد الان بالذات تصاعد اعمال «الارهاب»؟ حتى قبل بضعة ايام احيا العالم الاسلامي احتفالات «عيد الاضحى» على مدى أربعة ايام. عيد الاضحى وعيد الفطر يعتبران العيدين الاهم في الدين الاسلامي. وبسبب مكانتهما الخاصة في التقاليد الاسلامية والهالة الدينية التي ترافقهما يبرز في هذه الاوقات بالذات تصعيد في ظواهر العداء والعمليات «الارهابية». فتنظيم داعش، مثلا، شرع في رمضان الماضي في حملة إعلامية خاصة عن أهمية الانطلاق في عمليات انتحارية ضد اهداف في الغرب والمكانة السامية التي ينالها الشهيد على نحو خاص في شهر رمضان.
ومع ذلك، يجدر بالذكر ان موجة «الارهاب» الحالية ليست نتاجا جديدا بل تواصل مستمر من الارتفاعات والهبوطات في كمية العمليات ونوعيتها منذ ايلول 2015، قبل بضعة اسابيع من احياء الأعياد اليهودية. 62 في المئة من منفذي العمليات كانوا تحت سن 24، و56 في المئة منهم كانوا من منطقة الخليل والقدس.  وقد انطلق هؤلاء الشبان بقدر كبير بسبب الإلهام الذي تلقوه من رفاقهم الذين انطلقوا لتنفيذ العمليات وبسبب الدعاية المعربدة ضد اسرائيل في الشبكات الاجتماعية. وقد أصبحت هذه منصة مهمة في تشجيع الشبان على ترجمة مشاعر الاحباط لديهم في الميدان. فظاهرة المنفذ الفرد في أوساط الشبان جعلت الشهيد اليوم موضع قدوة. فالتعرض للتحريض منفلت العقال الذي يعربد في الشبكات الاجتماعية يجد تعبيره بتبادل المراسلات من الشبان تنديدا باسرائيل وتشهيرا بها ونزعا للانسانية عن اليهود، ما يعزز مشاعر الكراهية تجاه اسرائيل ويساهم هو ايضا في الميل الحالي.
على خلفية الأجواء الدينية الخاصة التي ميزت عيد الاضحى وعلى خلفية الدعاية في الشبكات الاجتماعية يبرز ايضا الاقصى كمثير للمشاعر الدينية، حيث تكمن فيه الطاقة للتشجيع على تنفيذ اعمال «الإرهاب» ضد المواطنين والجنود. فالمواطن الأردني، سعيد عمرو، الذي حاول ان يطعن في نهاية الاسبوع شرطيا من حرس الحدود في شرقي القدس كان شخصا متزمتا نسبيا من ناحية دينية، وأعرب عن رغبته في أن يصلي في المسجد الاقصى. وتنتشر لازمة الاقصى بشكل بارز في الدعاية الاسلامية، ولا سيما من جانب مؤيدي الشيخ رائد صلاح  الذي يمكث اليوم في السجن الاسرائيلي، ونشطاء «حزب التحرير» الذين يبذلون جهودا جمة ضد التواجد الاسرائيلي في النطاق عبر نشر فكرة ان المسجد الاقصى في خطر ملموس في ضوء مؤامرة يهودية تسعى الى اقامة الهيكل الثالث على خرائب المسجد الاقصى.
صرح أبو مازن، مؤخراً، اثناء زيارته فنزويلا بأن موجة «الارهاب» ليست نتيجة التحريض في الشبكات الاجتماعية، بل تعبير عن الازمة التي يعيشها سكان السلطة. ولعل هناك بعض الحق في اقواله، ولكن للسلطة الفلسطينية ايضا مساهمة في تعزيز المشاعر المناهضة لاسرائيل، بل تشجيع العصيان الشعبي ضد اسرائيل. فمؤخرا فقط دعا «المجلس الوطني الفلسطيني» الفصائل الفلسطينية الى تصعيد الكفاح الشعبي ضد الاحتلال وجرائمه بصفته «حقا طبيعيا ينص عليه ميثاق الامم المتحدة». واتهمت وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية اسرائيل بالمسؤولية عن موجة «الارهاب» الاخيرة ووصفتها بـ «محاولة مقصودة لتوسيع دائرة العنف للهرب من أي مبادرة إقليمية ودولية لاحياء المسيرة السلمية والمفاوضات بين الطرفين». ان التداخل بين عيد الاضحى، التحريض في الشبكات الاجتماعية، وتشجيع العصيان الشعبي من جانب السلطة الفلسطينية هو الذي يساهم بالتأكيد في موجة «الإرهاب» الأخيرة.