عيونُكِ
آهِ من لَحظٍ يُبدّدُ غُرْبةَ الوِجْدانِ
يُطفِيءُ جَذْوةَ الأشجانِ
يَفضَحُ عَتْمةَ الألوانِ
يُطلِقُ سَطوةَ الهِمَمِ
يُزرْكِشُ رُقعةَ الشُّطآنِ
يُسْكِرُني
ليأخُذُني إلى بحرٍ لأغرقَ في الهوى وحدي
عيونُكِ
هل سَوادُ العينِ مقرونٌ بِسَفْكِ دمِ !
وبَأسُ تكَحُّلِ الأجفانِ هل يَرْدعْهُ ما أسلَفْتُ من كَرمِ
وما اسْتنزَفْتُ من عقلي و من رُشْدِي
عيونُك
آه من جَوْرِ العيونْ
إذا ما أُسْنِدَت بِفُرُوهةِ القدِّ
ولحظُكِ حين يغتَصِبُ الكَرَى باغٍ
وما الباغونَ إلّا صُرْعَةُ النَّدَمِ
عشِقتُكِ بعد أن ضاقَ المدى ،
وذَبُلْتُ من جَهْدِ الهوى ،
وحَسِبْتُ أنّ منازلَ المحبوبِ حين تصدَّعتْ
أفَلَتْ
وزادَ تَوَجُّعُ الوَرْدِ
وعاد العشقُ سجّاني
لأصرُخُ آهِ يا وَحْدي
وظَلَّ الطّوْقُ مشدوداً
فلَمْ يَنْقُصْ و لم يَزِدِ
عشقتُكِ
ثم صُنْتُ هواكِ من ناري وأحزاني
لِأُخْفي ضِعْفَ ما أُبْدِي
كأنّكِ في سوادِ العينِ قد جاوَرْتِ أجفاني
تُظِلُكِ حيثُ تَفترشين رَحْبَةَ صدريَ التّوّاقِ للنَّدِّ
فكيفَ أُبَدّلُ العينينِ
أُخِفي وهْجَ أغنيةٍ
حَوَتْ صَمتي وإنْشادي وألحاني
عيونكِ
لَستُ في حِلٍّ من العَهدِ
لقد أثقَلْتِني نَدَماً
فليس العدلُ أن يجتاحَني عشقٌ
ويغمُرَني عطاءٌ منكِ فاقَ الحدَّ
أضْنى قلبَكِ الحاني
وأتركُ غَمْرةَ الميدانِ من ضَجَرٍ ومن عِنْدِ
فما عادتْ أعِنّةُ خيلِنا ترضى بإرْخاءِ ولا شَدِّ
وليسَ عليّ أنْ أسعى لأُدركَ قَدْرَ حرماني
وما أدراكِ أيّ صَبابَةٍ بَعدي
ذَكَرتُكِ و الخُطى ثَقُلَتْ
وعِطرُ الأمسِ أعياني
وداءٌ ما له عُذْرٌ
و وَهْنٌ باتَ يَغشاني
وشَيْبٌ خطَّ تذْكارَينِ في فَوْدِي
و أنتِ مَعِي ولستِ مَعي
و طيفُكِ ليس كالأطيافِ
إن جاءت به إطْلالةُ البُعْدِ
إذا ما جاءني طيفٌ يَجرُّ قُيودَهُ ،
يَنعِي مَزاراً كان قِبلَتَنا
وشمساً لم تَعُدْ وَشْماً يَزِينُ شَغافَ قَلبيْنا
وبَدْراً تاهَ من كَمَدِ
وضاقَ الذَّرْعُ
ليسَ لِضيقِ ذاتِ اليدِّ
بل دهرٌ مُلِيمٌ لا يفارقُ جَمْعَهُ الخَطَلُ
يُعانِدُ سَطْوةَ الوَجْدِ
ويَقصِمُ لهفةَ الصّبِّ
و يُنكِرُ أنّهُ ثَمِلُ
وليس عليَّ أن أسعى
أنا قدْ هزّني شوقي
وقَيّدَ مِعْصمي صَمتي
ومالتْ كفّةُ السُّهْدِ
فكِدْتُ أُغادرُ الميدانَ
أُطفيءُ جَذوةَ الجَّسَدِ
وما أقساكَ يا دهرٌ يُروِّعُ رِقّةَ الوردِ
وقلتُ لطَيفِها
إذْ زارني من حُلْكَةِ الإخفاقِ يَكْتَحِلُ
كتمتُ هوايَ
حَسْبُكَ أن يكونَ هواكِ ملءَ العينِ
لا قيدٌ و لا خَجلُ
ولا نارٌ تأَجّجَ في ثناياها لهيبُ اللَحْظِ
واحترقت بها القُبَلُ
وصِرتُ أُعاندُ السّاعاتِ
جُنَّ الوقتُ فابتَعِدي
وإخفائي لحالي زادَ أوجاعَ الحنينِ
و صمتي فاقَ تِبْيانَ العيونِ
يُكبّلُني فلا هَمْسٌ ولا سُؤْلُ
وسُهدٌ آهِ من سُهدي
وبعدٌ مالَهُ وصْلُ
أُحبّكِ
ليس تردَعُني ظنوني
أو يُساوِمُ لهفتي غزَلُ
وكأسُ الرّاحِ ترياقٌ
وإن آذَتْ ولم تُرِدِ
وماءُ العينِ إن رَمِدَتْ
فسحرُ العينِ لايخشى من الرّمَدِ
أُحبّكِ
أنتِ عُنواني
ولو لانَتْ لنا الأيّامُ و الدّوَلُ
وأنتِ حَشَاشَتي
جُرحي
سِراجي حين داهَمَني المَغيبُ
وأنتِ الأرضُ
تمنحُني
أليسَ لكلِّ مُجتهدٍ نصيبُ
عيونُكِ
آهِ من عينيكِ إنْ فَتَكتْ
فلا رُمحٌ ولا نَصلُ
أحبّكِ
ليس ترحالي سوى بحثٍ عن الوَعْدِ
وأُقسمُ أنني ما زلْتُ توّاقاً ليومِ الغيثْ
ويومٍ فيهِ غُفْرانٌ ولا عَذْلُ
أحبّكِ
رغمَ أنّ القلبَ بالأوجاعِ يغتَسِلُ
وما عادت ورودُ الدارِ نِسْرينا
وأَصبحَ همسُنا المحظورُ يروِينا فيُظْمينا
فنهربُ نحو سَتْرِ الليلِ
نُخفي بعضَ ما فينا
ونَحتفِلُ
أحبّكِ
آهِ ما عادت تُطاوِعُني حروفُ الوصلِ والمدِّ
ولا الكلماتُ والقلمُ
أحبّكِ
ما لهذا الحبِّ تِرياقٌ فلا داءٌ ولا سُمُّ
فأنتِ البَدْءُ و العُقْبَى
وأعرفُ أنّ رِحلتَكِ المريرةَ تنتهي عِنْدي
فحينَ نجوْتِ من زمنٍ ومن بَلَدٍ
تَركتِ القلبَ في زمني و في بلدي
ورغْمَ الصمتِ
رغم شراسةِ الضّدِّ
لَنا قمرٌ نَدِيٌّ ليسَ كالأقمارِ
خبّأناهُ خلفَ تلالِ غُربتِنا
لنَحفَظه من الغَوْغاء والحَمْقى
ومن غدْرٍ ومن حَسَدِ
سيَطلَعُ بعد أن تشتدّ حُلْكَةُ لَيلِنا الوَثَنِيِّ
يُنشِدُنا
ويسطَعُ صوتُهُ أَلَقاً كما ضوءُ المصابيحِ
ونكتبُ كانَ يا ما كانْ
زمانٌ يَستطيبُ اللّهوَ
ضِدٌّ ذابَ من نُطْقٍ بغيرِ لِسانْ
ووصْلٌ جاء من ليلِ التَّباريحِ
ونغفو
آهِ
يا عَينُ الهوى بُوحِي