في بالي أن «أُكوّع» عن هامشي يبدو، راهناً، رئيسياً، وإلى رئيسي يبدو هامشياً: إضراب جامعة بيرزيت، ومناقرات صرصور ـ الطيراوي القضائية، وحتى قرار محكمة العدل العليا حول الانتخابات المحلية.. هذه في خُرج.
.. وفي الخُرج الآخر هدم الجرافات الإسرائيلية قرية العراقيب البدوية في النقب للمرة 103، منذ العام 2010.. فقط!
جرّب أن تنقل عفش بيتك ثلاث مرات، من شقة مستأجرة، إلى تملك شقة صغيرة.. فإلى شقة أكبر، وكم ستحتاج إلى ترميم، أو تعديل، تلفيّات النقل. القصة غير شكل إذا تولت الجرافات تقويض «متاع الدنيا»، وبعثرته وتكويمه في العراء بقرية بحالها، وليس بيتاً واحداً، تهدمه أسنان كفّ الجرافات.
الهدم للمرة 103 يعني أن سكان العراقيب أعادوا البناء للمرة 102، أي أكثر بكثير من أسطورة رفع سيزيف الصخرة من قاع الوادي إلى قمته.. ثم دحرجتها!
كم مرة تطرقت، هنا، إلى «حرب العناد» في العراقيب؟ ربما ثلاث ـ اربع مرّات، منذ عملية الهدم الأولى 2010 إلى الأخيرة (حتى الآن) خلال ست سنوات.
القصة بدأت في العام 1969، أي منذ قانون تسوية الأراضي، وحتى العام 2010 تبقى من أراضي العراقيب، شمال مدينة بئر السبع، حوالي 1300 دونم.
العراقيب واحدة من 51 قرية بدوية في النقب لا تعترف بها حكومة إسرائيل، أي مجرّدة من البنية التحتية والفوقية معاً: الماء والكهرباء والطرق.
كما تهدم إسرائيل في الضفة بيوتاً ومنشآت وآبار جمع مياه بحجة عدم الترخيص، فكذا تفعل في النقب والجليل. لا ترخّص وتهدم لغياب الترخيص!
بعد صدور قانون تسويات الأراضي، قامت السلطات بفتح مجال لتقديم تسجيل الملكية، لكن منذ السبعينات حتى الآن، تلكّأت المحاكم والحكومات عن البت في طلبات تسجيل الأراضي في قرية العراقيب وسواها.
حسب مشروع حكومي يسمى «لجنة برافر» تريد السلطات انتزاع ملكية 1300 دونم من أراضي النقب، و»مركزة» السكان في قرية صغيرة، وبناء تجمعات سكنية يهودية على الأراضي المصادرة.
السياسة الإسرائيلية منذ أعلن بن ـ غوريون، عن تهويد النقب والجليل، هي تفكيك التواصل الجغرافي الديمغرافي الفلسطيني بزرع ديمغرافية يهودية، و»أقل ما يمكن من العرب في أكبر ما يمكن من الأرض».
حسب معطيات ديمغرافية حديثة («المشهد الإسرائيلي» 306 في 20 الجاري)، فإن نصف سكان إسرائيل يتركّزون في متروبول «تل أبيب الكبرى»، أي ثلاثة ملايين نسمة، من الخضيرة إلى جنوب تل أبيب.
أيضاً، فإن 68% من سكان إسرائيل يتركّزون في ثلاث مناطق: «تل أبيب الكبيرة»، و»القدس الكبيرة»، وحيفا.
في العام 1956 بدأ مشروع «الناصرة العليا» على حساب أراضي الناصرة، ثم أقيمت وزارة خاصة لتطوير (تهويد) الجليل والنقب.
حالياً، 60% من سكان شمال إسرائيل، عدا حيفا، هم عرب، وكذا 40% من سكان النقب، لكن ربع سكان الناصرة العليا هم عرب بسبب أزمة المساكن في المدن والقرى العربية، بينما ينزح السكان اليهود إلى المركز التل أبيبي.
إسرائيل تعمل على ثلاث جبهات «تهويدية»: النقب والجليل.. والضفة الغربية، وفي مناطق معيّنة من الضفة صار الميزان الديمغرافي يميل لمصلحة التجمُّع الاستيطاني في المنطقة (ج) خصوصاً.
حالياً، هناك مسألة «شرعنة» البؤر الاستيطانية في الضفة، كما حال بؤرة «عمونا» قرب مستوطنة «عوفرا»، ويحاول ليكوديون في الكنيست إصدار قانون يعاكس قرار محكمة عدلهم العليا بتفكيك البؤرة، بما يذكر بمحاولات تبييض بؤرة «ميغرون» و»أولبانه» وسط الضفة على أراض خاصة.
أي «إرهاب» هذا؟
منذ عمليات ومحاولة عمليات الطعن، التي بدأت موجتها قبل عام، ويبدو أنها تجدّدت، قُتل 30 إسرائيلياً، أي 10% من ضحايا السير في إسرائيل، لكن صار يسقط قتيل أو اثنان من الشبان الفلسطينيين يومياً، خاصة خلال الفترة الأخيرة، قسم منهم بعد محاولات جدية لطعن جنود، وقسم آخر لمجرد الاشتباه، أو حتى نتيجة تقديرات غير صحيحة (خوف الجنود المدجّجين المدرّبين من صغيرات في المدارس يُشهرن مقصّاً مدرسيّاً).
الواقع، أن هجوم شاب بالسكين على جندي محتل لا يمكن وصفه بعمل إرهابي، خلاف هجمات على المدنيين سواء بالسلاح الأبيض، أو بسلاح ناري: «سأضع روحي على راحتي...».
شمس الخريف
اليوم، يبدأ الاعتدال الخريفي، وسيتلوه بدء التوقيت الشتوي، أي تحريك الساعة لقدام 60 دقيقة.
طيلة أسبوع تقريباً سوف «تتصارع» الساعة البيولوجية للناس مع التوقيت الشتوي، كما حالة التوقيت الصيفي.
في الصيف يشعر الناس السائرون في الشوارع والخلاء بحرارة أشعة الشمس، وأحياناً يجب تقليل الحركة بين الحادية عشرة والرابعة.
.. لكن، في آخر أيلول وشهري التشارين، قد يشعر الناس بأن لسعة الشمس قوية. لماذا؟
في الصيف تسقط أشعة الشمس عمودية على الرأس والأكتاف، لكن في الخريف تسقط أشعة الشمس المائلة على الصدر والبطن، أي على أحشاء الجسم.
الخامسة والأولى
من حيث القوة العسكرية، فإن إسرائيل في المكانة الخامسة دولياً بين جيوش العالم.. لكنها «دولة الأمن» الأولى في العالم.
الفلسطينيون لا تعنيهم مكانة القوة العسكرية الإسرائيلية، لكن إجراءات الأمن هي التي تُنغِّص حياتهم وعيشهم.