أيلول غير مثير للفضول!

رجب أبو سرية
حجم الخط

ها قد حل آخر أيلول، وبدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد جلستها السنوية، دون أن ينتبه لها أحد من المراقبين في الشرق الأوسط خاصة؛ ذلك أن اجتماع هذا العام ينعقد دونما صخب، بعد أن غاب عن اجتماعات الجمعية العامة، قادة كانوا يثيرون الاهتمام: من ياسر عرفات إلى أحمدي نجاد، مروراً بمعمر القذافي. حتى الرئيس محمود عباس، الذي كان، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، يجعل الكل يترقب كلمته في ذلك الاجتماع، حين كان يحمل مرة «قنبلة سياسية» تهدد بإعلان إلغاء العمل باتفاقات أوسلو، مثلاً، لم يعلن هذا العام عن أي شيء من هذا القبيل، وكان يمكن أن يكون الأمر مختلفاً، لو أن عاماً مضى تقريباً على «هبة السكاكين»، نجح في تغيير معادلة الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، أو أن إنهاء للانقسام قد تم ما بين اجتماعي الجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتماع العام الماضي واجتماعها هذه الأيام.
ورغم حضور قادة دول تعتبر مركزية على الصعيد الكوني أو الإقليمي للاجتماع وإلقاء كلماتهم، إلا أن الإثارة والاهتمام ظلا مفقودين، وذلك لأن شيئاً من الحسم أو الاهتمام الجدي بأي ملف شرق أوسطي، خاصة الملفين الفلسطيني والسوري، لم يحدث، ففي كلمة الأمين العام بان كي مون، تطرق بشكل «عابر» بإشارة إلى حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، محذراً إسرائيل من مواجهة عزلة دولية بسبب سياساتها، خاصة تلك المتعلقة بالاستيطان.
كذلك رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، الذي تعتبر كلمته في الجمعية العامة، هذا العام، بمثابة كلمة وداعية لمغادرته للبيت الأبيض بعد شهور قليلة، استعرض بشكل متبجح دور أميركا «الريادي» في العالم، وحين عرج على الملف الفلسطيني / الإسرائيلي، لم يخرج عن الموقف الأميركي الذي يساوي بين الضحية والجلاد، مطالباً الفلسطينيين بالكف عن التحريض والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، مقابل أن تكف إسرائيل عن أخذ المزيد من الأراضي.
كلمات القادة الإقليميين، ومنهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والشيخ تميم، لم تغيرا من الصورة شيئاً، بل إن اجتماع مجلس الأمن الذي انعقد، أول من أمس، فشل في التوصل إلى اتخاذ قرار بشأن الهدنة في سورية، التي أعلن توقف العمل بها، يوم الإثنين الماضي، ما يكشف مدى المراوحة في المكان، الذي هو عليه حال المنطقة، خاصة بملفيها الرئيسين: السوري والفلسطيني.
هل يمكن للقاءات، التي عادة ما يقوم بها القادة على هامش الاجتماع، أن تعوض شيئاً من اهتمام غير متحقق بالاجتماع الواحد والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة؟ ربما يحدث ذلك، ولكن عادة ما تدور اللقاءات الثنائية أو حتى الجماعية، إن حدثت، حول العلاقات الثنائية، أي أنها لا تبحث ملفات إقليمية، كما أنها تثير اهتمام الرأي العام في دولتي الطرفين، لا أكثر ولا أقل.
بالطبع، كما درجت عادة الرئيس محمود عباس، وكما يفعل قادة الدول، خاصة أولئك الذين لهم قضايا ويتوجهون للأمم المتحدة للمساعدة في حلها، كما هو حالنا _ نحن الفلسطينيين، سافر السيد الرئيس متوجهاً للأمم المتحدة قبل وقت وذلك للالتقاء بعدد من قادة الدول، بهدف صياغة موقف سياسي داعم للقضية الفلسطينية، خاصة وأن النشاط الفلسطيني تركز في الآونة الأخيرة على ملف «الاستيطان»؛ نظراً لأن العالم بأسره، يتخذ موقفاً معارضاً للإجراءات الاستيطانية الإسرائيلية.
لكن من المهم هنا أن نشير إلى أن فرنسا قد رفعت عقيرتها، عشية لقاء الرئيس عباس بالرئيس فرنسوا هولاند، حيث صرح الرئيس الفرنسي قائلاً: إن المبادرة الفرنسية لم تمت ولكنها ولدت للتو!
ومن أجل مزيد من تعبئة الفراغ، أضاف هولاند الذي يبدو أنه بحاجة ماسة للقيام بأي فعل، قد يخفف من استهداف بلاده من قبل «داعش» وأخواتها: إن مؤتمر باريس الذي انعقد في 3 حزيران، قد انتهى بتشكيل لجان، تعمل على عقد مؤتمر دولي في كانون الأول المقبل، أي بعد أن تكون قد جرت الانتخابات الأميركية، حتى تقوم بعد ذلك باريس، بتسليم الراية أو العهدة لواشنطن، تماماً كما فعلت مدريد العام 1991.
لكن ومع كل ذلك، ولأنه عادة ما يلجأ الشعب الفلسطيني إلى قبضة يده، حين تنغلق الأبواب في وجهه، فإن الأخبار السارة، إنما جاءت من داخل الأرض المحتلة، ومن الموقع المتقدم للصراع حيث يواجه المعتقل الفلسطيني سجانه الإسرائيلي مباشرة، حيث حقق الأخوان محمد ومحمود بلبول ومالك القاضي، المعتقلون الإداريون من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الانتصار مجدداً على السجان، وفرضوا عليه عدم التجديد لاعتقالهم الإداري وبالتالي الإفراج عنهم، حين تنتهي مدة التوقيف.
كذلك تجددت مفاعيل الهبة الشبابية، بحيث فرضت على الجيش الإسرائيلي حالة من الاستنفار، بنشر قواته في معظم مناطق الضفة الغربية، تحسباً، خاصة، لتنفيذ لعمليات خلال فترة الأعياد اليهودية، وبذلك يؤكد الشعب الفلسطيني مجدداً، جدارته بالحرية والاستقلال، وعزمه الأكيد على نيلهما، طال الزمان أم قصر، ولكن وفق نظرية «ما حك جلدك غير ظفرك»!