الواقع واقع

رامي مهداوي
حجم الخط

إن حياتنا بمفهومها الشمولي «سارحة والربّ راعيها»، هذا ما سنقوله لذاتنا إذا ما نظرنا إلى واقعنا الفلسطيني نظرةً شمولية في مختلف جوانب الحياة وعلى الأصعدة كافة، من أحداث جامعة بيرزيت الأخيرة، والمياه، الكهرباء.. البلديات.. الصحة.. التعليم والمعلمين ..الرياضة.. النضال الفردي.. الأنفاق.. حوادث السير.. المعابر، والقائمة تطول.
وإذا ركزنا على الفلسطيني من زاوية التاريخ الاجتماعي _كجماعة اجتماعية واحدة_ سنلاحظ أن الفلسطيني كان دائم الانشغال بأخيه الفلسطيني!! وأقصد هنا الانشغال السلبي، وخلق واقع من التكتلات الجماعية وحالة من التناقضات المتناحرة فيما بينها، جماعة الباشا... جماعة أبو فلان.. جماعة أبو علان.. محسوب على الكبير.
حيث لا يكمن الخطر فقط في هدمهم لبعضهم البعض، بل  الأخطر هو استمرارية الهدم لما قد يشكل أفقاً جديداً وبديلاً، بالإضافة إلى صمت الآخرين عن كيفية مواجهة هذا الواقع.
وبذلك تكون المحصلة هي عدم تحقيق أي فائدة للمجتمع الكلي، بل ويتحول المجتمع إلى أداة من أدوات التقويض، ما يَحد من الفرص والإبداع، كونه الإطار الجامع الذي تمارس فيه هذه التكتلات سلطتها وكأنها مطلقة، فكل إناء بما فيه ينضح.
انطلاقاً من هذا، تتناسل العديد من الأسئلة المشروعة حول الواقع الحالي، خصوصاً من المشاهدات التي نراها عبر وسائل الإعلام المختلفة: هل هناك علاقة بين جميع هذه المشاهدات/الأحداث/الوقائع التي تصيب المجتمع بالانهيارات المتتالية؟! وبأي درجة من المسؤولية والنضوج يتم التعامل مع تلك الوقائع؟ لماذا نكتفي بالمراشقات والملاسنات الإعلامية ونهرب هروباً متسارعاً (وقت الجد) دون إيجاد حلول جذرية؟! ولماذا تندثر أي حلول ذات طابع وطني جامع، فهل تختلف أدوات الحلول بناءً على هوية الجماعة؟!
وبإسقاط المعطيات والأسئلة السابقة على واقع أحداث جامعة بيرزيت الأخيرة كدراسة حالة في المجتمع الفلسطيني فإنني أقدم لكم الفرضية التالية: إذا اعتبرت انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت بمثابة «باروميتر» الشارع الفلسطيني، فإن طريقة تعامل الشارع الفلسطيني مع حقوق الطلبة وإغلاق الجامعة، واكتفاءه بدور المشاهد، هو بمثابة مرآة للواقع الذي نعيشه كمجتمع يراقب الأحداث ولا يتفاعل معها... وهذا يودي إلى استنتاج حول غياب دور المجتمع ومؤسساته في تحمل مسؤولياته وإيجاد الحلول من أجل الخروج من الأزمات.
والسؤال الذي يُطرح أمام هذا الواقع: ما هي الأدوات الضابطة من أجل الحفاظ على استقرار الواقع أولاً وحمايته من الانهيار ثانياً، ومن ثم البدء بمعالجته؟!
بداية يجب أن نعترف بأن واقعنا الحالي يصطدم بإشكاليات مختلفة أهمها انعكاس تفكك الوحدة السياسية والجغرافية للمجتمع الفلسطيني على سلوكياتنا كأفراد، وعلى قيمنا وطريقة تفكيرنا طيلة السنوات الماضية.
وأن ندرك أن تفكك المجتمع الفلسطيني في بنيته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد النكبة الفلسطينية، أي منذ العام 1948، قد انعكس سلباً على مقدرتنا في التعامل مع الواقع الجديد وخصوصاً بعد اتفاق أوسلو، كنتيجة لواقع النظام السياسي الذي لم يستطع التعامل مع  الوقائع اليومية كمجتمع واحد ومتماسك، بل كتجمعات متفرقة.
ويتبع ذلك البحث عن الآليات التي من شأنها أن تعيد اللحمة الوطنية جغرافياً وسياسياً، وأهمها مأسسة العمل الجماعي الفلسطيني في إطار مركزي، أساسه التجديد والإصلاح الفوري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وما تضمه من مؤسسات وهيئات وأجهزة مختلفة، وتقديم خطاب نوعي جديد يستند إلى الوقائع الجديدة والمتغيرات التي أنهكتنا، ويعمل على بث روح التحدي وخلق الحافز لبعث طاقات جديدة للتمرد على الواقع المهترئ وعلى متغيرات العقدين الأخيرين، وأهمها بروز «البرجوازية الوطنية»، والبدء بالتطبيق والفعل على أرض الواقع كي نتمكن من إخراج المواطن الفلسطيني من حالة الواقع المرير، وتحرير الطاقات الكامنة في المجتمع والشباب الفلسطيني، ودمجه لبناء واقع جديد ونظام عمل يؤمن بالطاقة الابداعية المتجددة.