في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بعد أن احترق منزله واعتبر والده مفقوداً، هجر عمر مازن، البالغ من العمر 21 عاماً، مدينته الموطن "بعقوبة"، وهرب إلى العاصمة العراقية التي تبعد 60 ميلاً إلى الجنوب. لكن منزله لم يكن الشيء الوحيد الذي تركه خلفه. لقد قرر التخلي عن اسمه أيضاً.
كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر. فعند كل نقطة تفتيش كان رجال الميليشيات الشيعية أو الجنود العراقيون يقرأون أوراقه الثبوتية ويحدقون بنظرات يملؤها الشك في اسمه السني المعروف. وقال: "لم أرد أن أريهم هويتي.. اعتراني الخوف في كل مرة. لقد فُقد العديد من السنة عند نقاط التفتيش، وكان والدي واحداً منهم".
بطريقة ما، استطاع عمر شق طريقه عبر قلب القتال الذي كان مستعراً ضد "الدولة الإسلامية" على طول الطريق السريع. لكنه واجه بعد ذلك مأزقا مستمراً يتعلق بالكيفية التي تمكنه من البقاء في مأمن، في مدينة ومجتمع غالباً ما تنظر فيهما المؤسسة الجديدة ذات القيادة الشيعية إلى السنة العراقيين -جوهر الطبقة الحاكمة في ظل صدام حسين- على أنهم إما مساعدون للتمرد المتطرف أو عملاء له.
قرر عمر تغيير اسمه إلى اسم أكثر حيادية "عمار"، والسعي إلى الوجود بين الشيعة. وفي شباط (فراير)، ذهب إلى مكتب الإقامة وشرع في العملية. وقال عن المسؤولين الحكوميين الذين تعامل معهم -وهي ملاحظة لا يُسمع مثلها غالباً لدى الحديث عن البيروقراطية المنتفخة: "كانوا مساعدين جداً. وقالوا إن العملية ستستغرق حوالي الشهر".
يعكس مأزق عمار مازن حالة الانفجار الأحدث في العراق، بينما يقترب قتاله الوجودي ضد تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش" من عامه الثاني. وفي الأشهر العشرة الماضية، تشرد عدد كبير من الناس -ربما ربع السكان- مرة أخرى، بينما يتعرض النسيج المجتمعي العراقي المدمر على نحو سيئ بسبب الحرب الأهلية الجارية منذ أعوام، إلى اختبار جديد.
الآن، يُجبر السنة الذين عادوا إلى مجتمعاتهم المتوترة مع بدء توقف زلزال العنف الذي امتد خمسة أعوام في العام 2008 إلى مغادرتها مرة أخرى، وهذه المرة غالباً من جانب متطرفي "الدولة الإسلامية" الذين يزعمون أنهم يقاتلون باسم طائفتهم. وفي بعقوبة، قامت الميليشيات الشيعية التي تكون تتصرف في بعض الأحيان من دون تمييز وهي تقود عمليات طرد "داعش"، بطرد السكان أيضاً. وفي تكريت؛ المدينة السنية في سوادها الأعظم، والتي استعيدت من قبضة "داعش" على يد الميليشيات الشيعية والقوات العراقية قبل نحو أسبوعين، تحدثت التقارير عن عمليات نهب وتخريب ارتكبها الفاتحون.
وفي الأثناء، شهد الانبعاث المتجدد للتمرد ارتفاعاً حاداً في التفجيرات التي استهدفت المجتمعات الشيعية، وخاصة في بغداد؛ حيث يدرس العدد المتزايد بثبات من اللاجئين مثل مازن أيضاً خيار التخلي عن ماضيهم من أجل العيش والبقاء. أما ما يعنيه ذلك بالنسبة لتعددية العراق إذا هزم "داعش" في نهاية المطاف، فذلك شأن تجري مناقشته في عموم البلد.
يقول محمد أبو بكر، الطالب السني من "اليوسفية" التي تقع إلى الجنوب من العاصمة: "كيف تنظر إلى ذلك يعتمد على ما إذا كنت سنياً أم شيعياً". ويضيف: "يقول الوسط الذي أعيش فيه وتقول عائلتي إن البلد قد تحطم. لا توجد ثقة. إننا نعيش الآن ثيوقراطية شيعية".
يقول مسؤولون إنهم يتفحصون مستوى ظاهرة تغيير الأسماء، لكنهم يدعون أنهم لا يريدون التدخل في القرارات الشخصية الفردية. وقال اللواء تحسين عبد الرزاق، مدير مكتب الإقامة في بغداد: "في الشهر الماضي بدأنا بتلقي طلبات لتغيير الأسماء... مثل تغيير أسماء الشيعة أو السنة". وأضاف: "كان الاسم الأكثر شيوعاً هو تغيير عمر إلى عمار، أو حذف اسم العائلة من بطاقة المواطنة. كانت لدينا العديد من الحالات، وإنما ليس إلى المستوى الذي تشكل فيه أغلبية".
الآن، يبدأ القادة السياسيون في التصارع مع المسوغات التي تقف وراء إقدام العراقيين على تغيير هوياتهم، وما قد يعنيه ذلك لمجتمع يعتقد المعظم أنه منقسم بسبب الخلافات السياسية أكثر من كون ذلك بسبب الانتماءات الطائفية.
ومن جهته، قال نائب الرئيس العراقي لشؤون المصالحة، إياد علاوي: "للأمانة، من المخيف أن يكون المرء سنياً الآن. إنه أمر غير آمن، ومربك، وأنا أرثي لحالهم". وكان قد عهد إلى السيد علاوي بمتابعة فكرة فشلت في ترسيخ نفسها في أي وقت منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في العام 2003، والذي وضع نهاية لقاعدة السلطة في العراق.
وقال علاوي إن السنة الذين أرادوا العودة إلى منازلهم في المناطق التي مزقها القتال، يجري إخضاعهم إلى تدقيق تطفلي من جانب الميليشيات والقوات الأمنية، كما أنهم يعانون من التفرقة المنتظمة من جانب مسؤولين في بغداد. وأضاف: "يبلغني الشيوخ الذين يأتون من الأنبار لرؤيتي بانتظام عن إساءة المعاملة التي يجدونها عند نقاط التفتيش. وهي معاناة غير قابلة للتحمل".
في الجيب السني، "الأعظمية"، في بغداد، قال الشيخ مصطفى، الإمام في مسجد أبو حنيفة -وهو مؤسسة مركزية لتعليم السنة النبوية في العراق- إن التفرقة التي تمارس ضد السكان واللاجئين السنة هي الآن "مشكلة كبيرة جداً". وأضاف: "لا يستطيع أي سني (يصل حديثاً) العيش في بغداد الآن من دون كفيل، ويترتب على ذلك الكفيل أن يقول إن هذا الشخص ليس عضواً في داعش. لا نستطيع السماح بأن يفلت هذا الأمر من تحت السيطرة. إذا اندلعت حرب طائفية أخرى فستكون بغداد بركة دماء".
وفي سوق الأعظمية، قال جمال عبد الناصر: "هناك أناس في جامعتي يتحدثون عن السنة وكأنهم داعش ولا يريدون الاقتران بأي منا. ولا تشكل هذه المجموعات أغلبية، لكننا نسمع الكثير عنها. وما أزال أشعر أننا نستطيع العيش سوية. وقد تقدم شقيقي لخطبة فتاة شيعية في الشهر الماضي".
وفي الأثناء، يستمر السنة الشباب من أمثاله في النضال مع موضوع كيفية النظر إلى "داعش" الذي يدعي أنه يمثل مصالحهم من خلال إسقاط نظام سياسي عراقي فشل في إعادة امتيازاتهم إليهم.
ويقول عبد الناصر: "أستطيع الفهم لماذا يعتقد بعض السنة بأن تواجد داعش في العراق يساعد في توفير ميزان، بينما إيران تتدخل في الشأن العراقي". ويضيف: "يقولون إن إيران تتدخل في كل مكان مثل العراق وسورية ولبنان، والآن في اليمن. لكنني لا أعتقد ذلك. المشكلة الحقيقية في العراق هي أن كل شخص هو طائفي، والساسة كلهم طائفيون. الفرصة الوحيدة أمامنا من أجل تحقيق مصالحة حقيقية تكمن في تغيير كل الساسة الفاسدين، السنة والشيعة على حد سواء. منذ الغزو، ما نزال نصطدم بالوجوه نفسها التي تتداور على المناصب".
وفي جانب آخر من المدينة، قال عمار الحكيم، وهو من أبرز رجال الدين الشيعة المرموقين -زعيم المجلس الشيعي الأعلى- إن المصالحة أصبحت الآن أكثر أهمية من السابق. وقال: "إننا ما نزال على مسافة طويلة من هدفنا، وعلينا أن نفهم حدودنا على ضوء ما مررنا به. علينا أن ننظر إلى حيث كنا وحيث نحن الآن، وأن نتأكد أننا نتقدم بالسرعة الصحيحة في الاتجاه الصحيح".
وأضاف: "هذه فرصة تاريخية لمصالحة حقيقية. والآن، في كل وقت نخطو فيه بوصة واحدة فإننا نستطيع رفع أصواتنا. نحن لا نقاتل من أجل القتال. نحن نقاتل لنعيش. كل المنخرطين في الصراعات سوف يضطرون إلى عقد اتفاقيات هشة. نحن لا نلوم الآخرين لأن لديهم طموحات، لكننا نلوم أنفسنا لأننا أدوات في أيديهم".
وقال الحكيم التابع لزعيم "الحشد الشعبي"؛ المجموعة المظلة للميليشيات الشيعية المنخرطة في القتال ضد "داعش"، إن الوصول إلى القبائل السنية من حول تكريت كان ناجحاً. وفي الحقيقة، قال الزعيم القبلي السني، أحمد جبور، إن بلدته "العلم" قد تحررت على يد الميليشيات التي شجعت السكان على العودة، وساعدتهم في تطهيرها. وأضاف: "لم نكن لنستطيع أن نفعل هذا من دون إخواننا".
مع ذلك، وفي كل مكان آخر، فإن الخوف مما يمكن أن تعنيه أسماء العائلة في عراق عائد مرة أخرى إلى الحرب، يستمر في إحباط المسؤولين والقادة الدينيين، ومن بينهم الحكيم.
ويقول الحكيم عن التقارير التي تتحدث عن الناس الذين يغيرون أسماءهم: "إننا نقر بوجود هذه المشاكل ونحن نحاول تغييرها... الآن، لدينا عمر الذي غير اسمه ليعيش في بغداد، لكنه كان لدينا في الماضي عمار الذي كان يعيش في الأنبار، وترتب عليه أن يغادرها لمدة 12 عاماً".
في شمال بغداد، يعمل مازن راهناً كمساعد في داخل مركز ومسجد تابعين لمجتمع شيعي. وقد اكتمل تغيير اسمه الآن. ويبدو أنه سيتحول في القريب إلى الإسلام الشيعي. وقال وهو يهز كتفيه: "أريد أن أعيش حياتي وأن أحمي عائلتي. كان هؤلاء الناس طيبين معي".