حول نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية

حمادة فراعنة
حجم الخط

ربح الأردنيون نتائج انتخابات مجلس النواب الثامن عشر يوم 20/9/2016، وخسروا خبرات برلمانية بفقدانهم، أو إخفاقهم في العودة إلى المجلس التشريعي أمثال: سعد هايل السرور ومحمود الخرابشة وعبلة أبو علبة ومصطفى الحمارنة ومحمد الحجوج ومصطفى العماوي ومفلح الرحيمي، فقد وصل 74 نائباً جديداً من أصل 130، وعاد 56 نائباً سابقاً أبرزهم عاطف الطراونة وعبد الكريم الدغمي وانفرد في تسجيل رقم قياسي في الحفاظ على موقعه منذ العام 1989، ما يدلل على أن التغيير والرغبة في تحقيقه، بات سمة مطلوبة وفاعلة في خيارات الأردنيين وتوجهاتهم البرلمانية، خاصة أن مجلس النواب هو المؤسسة الوحيدة من بين مؤسسات الدولة التي تعتمد على إفرازات نتائج صناديق الاقتراع، وقد تكون إجراءات هذه الدورة من دورات مجلس النواب منذ العام 1989، وحتى يومنا هي من أفضل إجراءات الشفافية والتدقيق وعدم التدخل الرسمي من "تحت لتحت" في صياغة النتائج، في التلاعب في توجيهاتها بشهادة المراقبين المحليين والعرب والأجانب، وقد تكون هذه هي المفاجأة الأولى غير المتوقعة للمراقبين المدققين اعتماداً على خبراتهم في مراقبة أعمال ونتائج الدورات السابقة.
وإذا كانت مفردتا التغيير والشفافية هما الأكثر رواجاً، فإن المقاطعة هي المفردة الثالثة التي بدت راسخة في سلوك الأردنيين من خلال تعاملهم مع صناديق الاقتراع وعدم استجابتهم لنداءات المشاركة والانكفاء عن الوصول لصناديق الاقتراع، وبالكشف عن الفرق بين عدد المسجلين من الأردنيين في قوائم الناخبين حوالى أربعة ملايين و250 ألفا، وعدد الذين شاركوا في عملية الاقتراع حوالى مليون ونصف المليون ناخب (1.492) نجد أن نسبة الاقتراع المسجلة هي 37 بالمائة، ومع أنها متدنية نسبياً ولكنها أكثر الأرقام دلالة على مصداقية المشاركة ودقتها وعدم التلاعب الرسمي بنتائجها.
العوامل الصانعة لنجاح المرشحين ما زالت هي الفاعلة في التأثير على خيارات الناخبين، وهي: أولاً العشيرة والانتماء الجبهوي والعلاقات الشخصية والأسرية، وهذا يدلل على أن القوى المحافظة والتقليدية ما زالت الفئة الأولى التي ستبقى مهيمنة على توجهات المجلس المقبل وخياراته الإصلاحية، ولكن من المفيد التسجيل هنا أن مرشحي العشائر هم من الفئة الأكثر نفوذاً وتمكناً على المستوى المالي، بينما يقع رجال الأعمال والمقاولون منهم في شريحة الفئة الثانية التي أفرزتها صناديق الاقتراع وهي الأكثر وعياً للدفاع عن مصالحها وحمايتها وتشريع القوانين لصالحها، وهم في نفس الوقت الأكثر قدرة مالياً على تغطية الحملات الانتخابية وتجنيد العاملين بهدف جلب الناخبين إلى الصناديق، وتبقى الشريحة الثالثة المسيسة التي وصلت إلى المجلس بحكم رؤيتها ومواقفها وسياساتها، فقد فاز جناح الإخوان المسلمين الذي يقوده الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد بخمسة عشر مقعداً مع حلفائهم تحت لافتة الإصلاح وشرعية حزب جبهة العمل الإسلامي وهم بذلك حققوا مرادهم في تأكيد حضورهم وانتزاع شرعيتهم السياسية بعد أن فقدوا الغطاء القانوني، وفاز خمسة من حزب المؤتمر الوطني "زمزم "المنشق عن حركة الإخوان المسلمين، ونجح حزبي واحد من حزب البعث التقدمي الدكتور نضال الطعاني، وأربعة من حزب الوسط الإسلامي، إضافة إلى عدد من الشخصيات اليسارية البارزة يقف في مقدمتهم النقابي خالد رمضان.
المرأة سجلت حضوراً لافتاً سواء على مستوى نسبة المشاركة في العملية الانتخابية، أو عدد المرشحات، فقد نجحن ليس فقط على طريق الكوتا المخصصة لهن بخمسة عشر مقعداً، بل فازت خمس سيدات بالتنافس، لأول مرة، ليرتفع عدد عضوات المجلس إلى عشرين امرأة، وهو رقم قياسي مقارنة مع مجالس سابقة، وبهذا تكون المرأة قد سجلت بهذه النتيجة إحدى المفاجآت السارة في هذه الدورة الانتخابية، وهي تعبير عن النزوع نحو التغيير، ورد واعٍ على خيارات المقاطعة السلبية.
ولا شك في أن مشاركة المرأة والنتائج التي حصلت عليها، بمثابة رد احتجاجي مباشر على القانون الانتخابي غير العادل، فقد مُنحت المرأة مقعداً لكل محافظة، بحيث تساوت عمان بما تملك من عدد سكان ومن ناخبين مع أصغر المحافظات عدداً للسكان وعدداً للناخبين، فعمان لها مقعد واحد للمرأة مثلها مثل كل المحافظات مع أن عدد المسجلين في عمان بلغ 1.357.387 وعدد الذين اقترعوا 362.836 مقارنة مع العقبة مثلاً التي تضم 55.819 ناخباً اقترع منهم 23.817 ناخباً فقط، والمحافظات الثلاث: عمان والزرقاء وإربد التي تضم ثلثي الناخبين تساوت بثلاثة مقاعد للمرأة مع ثلاث دوائر للبدو في الشمال والجنوب والوسط، بينما لا يتجاوز عدد المسجلين لدى دوائر البدو الثلاثة مائة وخمسين ألف ناخب.
قانون الانتخاب هو المصدر الأول لصياغة النتائج قبل أن يدلي الناخبون بأصواتهم، والقانون التجريبي يملك محتويات ظالمة وسلبية تحتاج لوقفة شجاعة ذلك أن نتائج العملية الانتخابية وقف خلفها قرار سياسي وإرادة سياسية واثقة فرضت عدم التدخل، وهي خطوة نوعية في غاية الأهمية على طريق الإصلاح السياسي المنشود لمسار بلدنا، ما يتطلب الخطوة التالية في الإسراع لتشريع قانون انتخاب أكثر عدلاً من القانون الحالي، إضافة إلى ضرورة العودة إلى المزاوجة بين قائمة المحافظة مع قائمة المواطنة على مستوى الوطن الأردني كله بهدف الحفاظ على هوية وطنية أردنية واحدة.