أمام العيون المغلقة للمجتمع الدولي تُمحى مدينة حلب عن وجه الأرض، وهي المدينة الثانية من حيث حجمها في سورية، والتي كان يعيش فيها قبل المعارك حوالى 4 ملايين انسان.
اولئك الذين اعتادوا على المشاهد الفظيعة للحرب السورية واعتقدوا أنهم رأوا كل شيء وأنه لن يفاجئهم أي شيء، بقيت أفواههم مفتوحة على ضوء الاستهداف المنهجي لأحياء حلب، التي توجد تحت سيطرة المتمردين.
ويتضح مجددا أنه في الحرب السورية لا يوجد شيء مقدس أو محصن من الإصابة – لا الأحياء السكنية ولا الاسواق التجارية ولا المساجد ولا المستشفيات ولا المدارس.
كل شيء مسموح وكل شيء ممكن، وليس هناك مثل بشار الاسد وحلفاؤه من اجل فهم الرسالة التي تكمن في صمت العالم على أفعالهم.
للوهلة الاولى لا يوجد أي شيء جديد أو استثنائي لما يحدث في حلب.
لقد كنا شهوداً على هذه الفظائع أكثر من مرة خلال سنوات الحرب الست.
تمت أغلبية هذه الافعال من قبل النظام السوري وحلفائه، لكن أحيانا من قبل بعض أعدائهم، تلك المجموعات الاسلامية المتطرفة ولا سيما "داعش"، لكن ما يميز حلب هو كبرها.
لا يدور الحديث عن قرية أو منطقة صغيرة أصيبت بشكل موضعي مرة أو اثنتين وتم نسيانها بسرعة من قبل العالم، بل يدور الحديث عن مدينة كبيرة يعيش فيها ملايين الأشخاص الذين يصابون يوميا بشكل منهجي وبقوة متراكمة على شكل دمار وخراب غير مسبوقين.
يبدو أن النظام السوري يريد تحقيق الحد الأقصى من الإنجازات واستغلال الانقلاب الذي حدث في السنة الماضية في الحرب.
وهو يريد الحصول على الإنجازات والانتصارات، وليس هناك مثيل للانتصار في حلب الذي له أهمية ولو رمزية.
بعد كل شيء يدور الحديث عن المدينة الثانية في حجمها في الدولة، واحتلالها سيمهد الطريق لحسم الحرب.
لكن ما يثير الاهتمام ليس فقط حجم الدمار الذي يسببه بشار وبوتين لمدينة حلب، بل حقيقة أن الهجوم جاء بالضبط بعد أسبوع من انهيار وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة. يبدو أن روسيا لم تقصد أبدا التنازل عن سيطرتها في سورية أو عن حليفها بشار، ولكن الغائب الحقيقي عن سورية التي تعيش تراجيديا، هو الإدارة الأميركية.
إن كل ما يريده أوباما هو منع التدخل الأميركي في سورية.
وقد أوضح مرة تلو الأخرى أنه ينفي تماما إمكانية إرسال جنود أميركيين للحرب في هذه الدولة من اجل التأثير على المعارك أو من اجل عقاب النظام السوري على جرائمه.
يريد اوباما انهاء ولايته دون أن تلتصق فظائع الحرب في سورية بإرثه.
يمكن أن يكون محقاً من وجهة النظر الأميركية الأنانية، ويمكن أنه قد منع سفك دماء الجنود الأميركيين، لكن المفارقة هي أن التراجيديا السورية ستسجل على اسمه أكثر من أي شخص آخر.
صمت العالم يصرخ. ولكن هذه هي طريقته. الاهتمام المهووس بالصراع الاسرائيلي - الفلسطيني وفي الوقت ذاته الصمت الصارخ على التراجيديا في حلب. وفي نهاية المطاف، لا أحد يريد التورط ومواجهة روسيا.
وإضافة إلى ذلك، ديكتاتورات العالم الثالث مسموح لهم كل شيء طالما أنهم موجودون في السلطة وينتصرون.
قتلى وجرحى شرقي سوريا.. وتصعيد عسكري بريف حلب
28 ديسمبر 2024