تتأخر حركة الفكر السياسي، والثقافي في المنطقة العربية عن النهوض بدورها في تحديد ورسم اتجاهات التطور، في خضم الزلزال التاريخي الذي يعصف بالمنطقة كلها منذ ما يزيد على أربع سنوات.
من الواضح أن النظام السياسي والاجتماعي العربي، يحصد نتائج سياسات طال أمدها، منذ انهيار الخلافة العثمانية، التي استقرت في المنطقة لأكثر من أربعمائة عام، وتركتها دماراً شاملاً، جعلتها محكومة لسياقات تمكن القوى الاستعمارية من تحقيق أطماعها، والتحكم في مقدراتها، ووتائر دخولها إلى مربع الحداثة والعصرنة.
بغض النظر عن الدوافع والأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرائق في الدول العربية، وانتشارها بسرعة في هشيم الأنظمة السياسية المتهالكة، فإن أحداً لا يملك اليوم القدرة على استشراف المستقبل، الذي سيطول انتظاره لسنوات وسنوات قادمة.
كان على القبائل السياسية التي تحكمت في المجتمعات العربية، وصاغت أنظمتها السياسية على قياسات وقواعد، تهمش مجتمعاتها، وتحبسها في أقفاص التخلف، والقطرية البغيضة، كان على هذه القبائل أن تدرك منذ زمن أن العولمة التي تجتاح العالم، ستفقدها الحد الأدنى من القدرة على الدوام. خلال العقود الماضية أضاع العرب بوصلتهم، ولم يعودوا قادرين على تحديد أعدائهم الأساسيين، وبدلاً من تهيئة مجتمعاتهم وإطلاق طاقاتها نحو مجابهة أولئك الأعداء، اختاروا طريق التخاذل، والتنازل وأسلوب الممالأة، حتى الارتهان.
اعتقد الكثير من أهل النظام الرسمي العربي، أنهم وحدهم قادرون على التمتع بما يجلسون عليه من خيرات وثروات، فتجاهلوا قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتجاهلوا الاستراتيجيات الأميركية التي تسعى للسيطرة على ثرواتهم، وتجاهلوا الطامعين من حولهم.
الصراع الدائر في المنطقة وعليها، يستهدف الأرض أي الجغرافيا السياسية ويستهدف الثروة العربية، ويستهدف المكانة الاستراتيجية، لقد تجاهل العرب الدوافع الأساسية التي وقفت وراء المشروع الاستعماري الصهيوني الذي لم يكن يستهدف الشعب الفلسطيني وأرضه، إلاّ ليستهدف في الأساس منع الأمة العربية من النهوض، وقتل أي مشروع قومي عربي، والسيطرة على ثروات العرب، فكان لا بد أن يدفعوا الثمن الذي يدفعونه اليوم.
الدول الأوروبية المتطورة، استخلصت الدرس من الحروب العالمية الأولى والثانية، وأدركت متطلبات العصر، فأقامت وحدتها التي تضم حتى الآن سبعا وعشرين دولة، أما العرب الذين يتحدثون ويتحدرون من أمة واحدة، فقد آثر كل منهم أن يهرب بجلده وكان أسهل على كل منهم أن يخوض «حرباً» مع جاره العربي، من أن يخوض حرباً يشنها آخرون من خارج المنطقة.
في أحايين كثيرة، تصدر دراسات وأبحاث تشخص المخاطر التي تتهدد الأمة العربية، ومعظمها يشير إلى مخططات أميركية إسرائيلية خبيثة تستهدف تمزيق المجتمعات العربية، لكن ردود الأفعال تأتي على نحو يخدم تلك المخططات.
الأميركيون والإسرائيليون لديهم مشاريع ومخططات إزاء المنطقة برمتها، والإيرانيون لديهم رؤى وسياسات، وتطلعات وأدوار استراتيجية وكذلك الحال تركيا كدولة إقليمية كبيرة، أي أن كل من لديه القدرة على توسيع دائرة مصالحه، يجتهد من أجل تحقيق أهدافه، فما هي أهداف الدول العربية، وما هو المشروع العربي لحماية أرض العرب ومصالحهم وانتزاع حقوقهم؟
الدول العربية اليوم في حالة دفاع بائس عن الذات، وعما تبقى، وهم بعد لا يدركون أبعاد المخططات التي تستهدفهم، ولو افترضنا أنهم بدؤوا يدركون ذلك، فإنهم عاجزون عن الدفاع عن أنظمتهم ووجودهم.
الحال الفلسطيني ليس أفضل، والقضية الفلسطينية، تعاني من التراجع والتهميش من قبل المجموعة العربية، فلا تحظى سوى بالكثير من البيانات والتصريحات المتكررة، والقرارات غير القابلة للتنفيذ أو أن من يتخذون هذه القرارات، يعرفون مسبقاً أنهم ليسوا بصدد تنفيذها.
الفلسطينيون استبقوا الانهيار الكبير الذي تتعرض له المنطقة العربية فكان انقسامهم، وصراعاتهم الداخلية، وطغيان البرامج والتطلعات الفصائلية أسبق مما وقع في تونس نهاية العام 2010، وهم منذ ذلك الوقت، لم يدركوا بعد طريق خلاصهم مما صنعت أياديهم، بعد أن رتب لهم الاحتلال أسباب ما وقعوا فيه من خطايا.
عند الحديث عن الحاجة لحوار استراتيجي، وطني، عميق تفرضه طبيعة المرحلة، التي تشهد نهايات خط المفاوضات، واتفاقيات أوسلو، والبحث عن السلام، لا بد من الاعتراف بأن المهمة الأولى تكمن في توفير أسس وأدوات وقف التدهور، وتأمين بيئة الصمود على الأرض، إذا كانت فلسطين جزءاً من الأمة العربية، وما يصيبها ان هو إلاّ مقدمة لما سيصيب الأمة، فإن الغريب في الأمر أن نتوقع تحقيق إنجازات مهمة، فيما الوضع العربي يزداد سوءاً ودماراً وتدهوراً. يضطر الفلسطيني لأن يبتلع لسانه قبل أن يوجه نصائح، أو يتوجه بطلبات من الأشقاء العرب، فكيف نفعل ذلك، ونحن لا نرتضي لأنفسنا ما نتطلع لأن يرتضيه العرب لأنفسهم.
الأساس هو أن يبادر الفلسطينيون لتقديم النموذج، وهم ما زالوا لم يرتكبوا بحق بعضهم البعض، ما ترتكبه القوى العربية المتصارعة حتى الدمار والموت، خصوصاً وأن الوضع الفلسطيني يختلف من حيث أنه يخوض معركة تحرر وطني.
تصبح المسؤولية التاريخية ثقيلة جداً على القيادات السياسية التي لا تزال محكومة لبرامجها وحساباتها الخاصة، وتواصل استنزاف الطاقات الفلسطينية في خلافات وصراعات لم يعد المواطن الفلسطيني مقتنعا بأسبابها ولا هو مقتنع بجدواها، ولا هو أيضاً مقتنع بأن يظل ضحية لها، أو أن يدفع ثمنها، يصح مأثور القول على الفلسطينيين «إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ».
من الواضح أن النظام السياسي والاجتماعي العربي، يحصد نتائج سياسات طال أمدها، منذ انهيار الخلافة العثمانية، التي استقرت في المنطقة لأكثر من أربعمائة عام، وتركتها دماراً شاملاً، جعلتها محكومة لسياقات تمكن القوى الاستعمارية من تحقيق أطماعها، والتحكم في مقدراتها، ووتائر دخولها إلى مربع الحداثة والعصرنة.
بغض النظر عن الدوافع والأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرائق في الدول العربية، وانتشارها بسرعة في هشيم الأنظمة السياسية المتهالكة، فإن أحداً لا يملك اليوم القدرة على استشراف المستقبل، الذي سيطول انتظاره لسنوات وسنوات قادمة.
كان على القبائل السياسية التي تحكمت في المجتمعات العربية، وصاغت أنظمتها السياسية على قياسات وقواعد، تهمش مجتمعاتها، وتحبسها في أقفاص التخلف، والقطرية البغيضة، كان على هذه القبائل أن تدرك منذ زمن أن العولمة التي تجتاح العالم، ستفقدها الحد الأدنى من القدرة على الدوام. خلال العقود الماضية أضاع العرب بوصلتهم، ولم يعودوا قادرين على تحديد أعدائهم الأساسيين، وبدلاً من تهيئة مجتمعاتهم وإطلاق طاقاتها نحو مجابهة أولئك الأعداء، اختاروا طريق التخاذل، والتنازل وأسلوب الممالأة، حتى الارتهان.
اعتقد الكثير من أهل النظام الرسمي العربي، أنهم وحدهم قادرون على التمتع بما يجلسون عليه من خيرات وثروات، فتجاهلوا قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتجاهلوا الاستراتيجيات الأميركية التي تسعى للسيطرة على ثرواتهم، وتجاهلوا الطامعين من حولهم.
الصراع الدائر في المنطقة وعليها، يستهدف الأرض أي الجغرافيا السياسية ويستهدف الثروة العربية، ويستهدف المكانة الاستراتيجية، لقد تجاهل العرب الدوافع الأساسية التي وقفت وراء المشروع الاستعماري الصهيوني الذي لم يكن يستهدف الشعب الفلسطيني وأرضه، إلاّ ليستهدف في الأساس منع الأمة العربية من النهوض، وقتل أي مشروع قومي عربي، والسيطرة على ثروات العرب، فكان لا بد أن يدفعوا الثمن الذي يدفعونه اليوم.
الدول الأوروبية المتطورة، استخلصت الدرس من الحروب العالمية الأولى والثانية، وأدركت متطلبات العصر، فأقامت وحدتها التي تضم حتى الآن سبعا وعشرين دولة، أما العرب الذين يتحدثون ويتحدرون من أمة واحدة، فقد آثر كل منهم أن يهرب بجلده وكان أسهل على كل منهم أن يخوض «حرباً» مع جاره العربي، من أن يخوض حرباً يشنها آخرون من خارج المنطقة.
في أحايين كثيرة، تصدر دراسات وأبحاث تشخص المخاطر التي تتهدد الأمة العربية، ومعظمها يشير إلى مخططات أميركية إسرائيلية خبيثة تستهدف تمزيق المجتمعات العربية، لكن ردود الأفعال تأتي على نحو يخدم تلك المخططات.
الأميركيون والإسرائيليون لديهم مشاريع ومخططات إزاء المنطقة برمتها، والإيرانيون لديهم رؤى وسياسات، وتطلعات وأدوار استراتيجية وكذلك الحال تركيا كدولة إقليمية كبيرة، أي أن كل من لديه القدرة على توسيع دائرة مصالحه، يجتهد من أجل تحقيق أهدافه، فما هي أهداف الدول العربية، وما هو المشروع العربي لحماية أرض العرب ومصالحهم وانتزاع حقوقهم؟
الدول العربية اليوم في حالة دفاع بائس عن الذات، وعما تبقى، وهم بعد لا يدركون أبعاد المخططات التي تستهدفهم، ولو افترضنا أنهم بدؤوا يدركون ذلك، فإنهم عاجزون عن الدفاع عن أنظمتهم ووجودهم.
الحال الفلسطيني ليس أفضل، والقضية الفلسطينية، تعاني من التراجع والتهميش من قبل المجموعة العربية، فلا تحظى سوى بالكثير من البيانات والتصريحات المتكررة، والقرارات غير القابلة للتنفيذ أو أن من يتخذون هذه القرارات، يعرفون مسبقاً أنهم ليسوا بصدد تنفيذها.
الفلسطينيون استبقوا الانهيار الكبير الذي تتعرض له المنطقة العربية فكان انقسامهم، وصراعاتهم الداخلية، وطغيان البرامج والتطلعات الفصائلية أسبق مما وقع في تونس نهاية العام 2010، وهم منذ ذلك الوقت، لم يدركوا بعد طريق خلاصهم مما صنعت أياديهم، بعد أن رتب لهم الاحتلال أسباب ما وقعوا فيه من خطايا.
عند الحديث عن الحاجة لحوار استراتيجي، وطني، عميق تفرضه طبيعة المرحلة، التي تشهد نهايات خط المفاوضات، واتفاقيات أوسلو، والبحث عن السلام، لا بد من الاعتراف بأن المهمة الأولى تكمن في توفير أسس وأدوات وقف التدهور، وتأمين بيئة الصمود على الأرض، إذا كانت فلسطين جزءاً من الأمة العربية، وما يصيبها ان هو إلاّ مقدمة لما سيصيب الأمة، فإن الغريب في الأمر أن نتوقع تحقيق إنجازات مهمة، فيما الوضع العربي يزداد سوءاً ودماراً وتدهوراً. يضطر الفلسطيني لأن يبتلع لسانه قبل أن يوجه نصائح، أو يتوجه بطلبات من الأشقاء العرب، فكيف نفعل ذلك، ونحن لا نرتضي لأنفسنا ما نتطلع لأن يرتضيه العرب لأنفسهم.
الأساس هو أن يبادر الفلسطينيون لتقديم النموذج، وهم ما زالوا لم يرتكبوا بحق بعضهم البعض، ما ترتكبه القوى العربية المتصارعة حتى الدمار والموت، خصوصاً وأن الوضع الفلسطيني يختلف من حيث أنه يخوض معركة تحرر وطني.
تصبح المسؤولية التاريخية ثقيلة جداً على القيادات السياسية التي لا تزال محكومة لبرامجها وحساباتها الخاصة، وتواصل استنزاف الطاقات الفلسطينية في خلافات وصراعات لم يعد المواطن الفلسطيني مقتنعا بأسبابها ولا هو مقتنع بجدواها، ولا هو أيضاً مقتنع بأن يظل ضحية لها، أو أن يدفع ثمنها، يصح مأثور القول على الفلسطينيين «إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ».