على ما يبدو ترى بعض الأوساط في حركة حماس أن خيار الانفصال أمر ممكن وجائز ومشروع ولا غبار عليه. هذه «المواصفات» لمشروع الانفصال قد لا تشكل في نظر هذه الأوساط خياراً سياسياً إلاّ إذا تحول المشروع إلى هدف سياسي مباشر وإلى استحقاق سياسي في شروط تحوله إلى هدف.
وبين التعبير عن «اللا عيب» وعن الرغبة والعمل من أجل الذهاب إلى الهدف ثمة مساحة تبدو (مدروسة) من الغموض ومن الالتباس المقصود.
وبعيداً عن منطق المناكفة و»المعايرة» السائد في بعض التجليات الإعلامية، وبعيداً، أيضاً، عن حالة التربُّص و»التغبُّس» القائمة بين حكم حماس في قطاع غزة وبين المنظمة بمعظم فصائلها وشخصياتها، فإن مسألة الانفصال في الواقع الوطني أصبحت اليوم همّاً سياسياً على أعلى درجات الأهمية والخطورة والحساسية على حدٍّ سواء.
هناك ـ كما أرى ـ عدة تفسيرات لهذا المشروع.
فهناك من يرى أن كل موضوع الانفصال الذي أثير حوله جدل واسع في الساحة الوطنية ـ بغض النظر عن أسلوبية هذا الجدل ـ إنما يأتي في سياق «الضغط» الذي تحاول حركة حماس أن تمارسه على المنظمة بهدف تحقيق «مطالباتها» الخاصة وبهدف محاولة «فرض» شروطها للمصالحة.. وبالتالي فإن الأمر برمّته لا يعدو كونه محاولة للابتزاز السياسي.
لو ذهبنا إلى نقطة أبعد قليلاً في هذا التفسير فإننا بكل بساطة لا نجد غير تكتيك بائس سيذهب بأصحابه إلى ما هو أبعد من الضغط والابتزاز بالضرورة، وخصوصاً عندما يفشل هذا التكتيك في تحقيق الهدف من خيار اللجوء إليه.
فالعقلية التي تتعامل مع الشأن الوطني وفي قضايا مصيرية وحساسة من هذا النوع بمنطق الابتزاز والضغوط لن تتوانى عن تحويل قضايا المصير الوطني إلى لعبة مقايضات ورهانات رخيصة.
والعقلية التي تُرهِن المصير الوطني بتحقيق مصالحها الخاصة وصولاً إلى خراب مالطا ـ إذا لزم الأمر ـ هي بالأساس عقلية غير مؤتمنة على هذا المصير.
وأما الأخطر من هذا وذاك هو أن الاستمرار في هذه اللعبة، واللجوء بالأصل إلى اللعب نفسه كوسيلة من وسائل تحقيق الأهداف الخاصة في شأن مصيري لن يقود إلاّ إلى تحويل الانقسام إلى حالة من «الانفصال» الموضوعي الذي سيصعب تجاوزه في المرحلة الحالية حتى يُصار الى تحوّله إلى حالة من المستحيل السياسي في المرحلة اللاحقة.
مقابل ذلك هناك من يرى أن خيار تلك الأوساط ليس تكتيكياً على الإطلاق، بل ان التكتيك الأساسي لهذه الأوساط هو «المشاغلة» السياسية بما يسمى بالمصالحة، في حين ان هذه المشاغلة هي مجرد «مرحلة انتقالية» للوصول إلى هدف الانفصال الذي هو ليس مجرّد خيار هذه الأوساط في حركة حماس بل هو خيار عدة أطراف إقليمية، وخصوصاً إسرائيل وبقايا حطام الإخوان المسلمين بدعم مباشر أو غير مباشر من قبل كل من تركيا وقطر وبعض القوى القومجية، إضافة إلى كونه خياراً واضحاً لإيران في إطار لعبتها ـ أي إيران ـ لتجميع الأوراق التي تعزز دورها الإقليمي ومشروعها التوسعي والتمدّدي في عموم الإقليم العربي في ظل غياب المشروع العربي، وفي ظل مهادنة الغرب لتوسع وتمدّد المشروع الإيراني.
تحت مسمّى الهدنة، المتوسطة أو الطويلة، وتحت ذرائع الحصار، وفي محاولة لابتزاز النظام السياسي في مصر وفي رهانٍ على قوة الدعم الإيراني والمباركة الإسرائيلية، وربما الأميركية، وبعض الأوساط الأوروبية تتوهم هذه الأوساط أن خياراً من هذا النوع يمكن أن يرى النور، ويمكن أن يشكل مخرجاً سياسياً مناسباً لحركة حماس بدلاً من مشروع المصالحة وإعادة دمج الحركة في النظام السياسي والانخراط في مشروع الشراكة الوطنية.
كان يمكن تصور «نجاح» مشروع كهذا لو اقتصر الأمر على الرغبة الإسرائيلية، وكان يمكن أن تنجح المحاولة لو أن النظام المصري لم يتمكن من ترسيخ نفسه إقليمياً ودولياً بعد أن نجح في ترسيخ نفسه وطنياً. وكان يمكن اعتبار الذهاب باتجاه الانفصال أمراً ممكناً لو أن النظام العربي بقي في حالة الترهل قبل «عاصفة الحزم»، أو لو أن جماعة الإخوان المسلمين تمكّنت من «الصمود» في أي بلدٍ من البلدان التي كانت تراهن على السيطرة عليها.
أما وأن كل ما سبق إنما هي عوامل بدأت تعمل في غير طريق الانفصال، ولم يتبق من أنصارٍ جادّين لهكذا مشروع غير إسرائيل وغير تركيا وقطر على استحياء ودون حماسة كبيرة لاعتبارات كثيرة، فإن مشروع الانفصال والحالة هذه قد تحول في الواقع إلى مشروع يائس لا يحمل في طياته سوى علائم الانتحار السياسي.
هذا ناهيكم طبعاً عن أن العامل الوطني الفلسطيني يمكن أن يتهاون في أي شيء سوى اللعب بمصيره الوطني ومحاولة تكريس مشروع انفصالي على أنقاض مشروعه الوطني.
باختصار، سواء كانت محاولة البحث عن الانفصال كحل ومخرج هي ابتزازية أم هدف بحد ذاته فإن هذه المحاولة هي بحث عن طريقة للانتحار وليس هي بكل تأكيد بحثا جادا عن مخرج سياسي وطني.
وقد يكون ضرورياً تماماً تذكير تلك الأوساط في حركة حماس أن مصر التي تناصب حركة حماس الخصومة العميقة لن تتعامل مع حماس بطريقة الخصومة فقط عندما تقتنع مصر أن ثمة مشروعا لإقامة إمارة للإخوان في غزة.
وقد يكون من المفيد، أيضاً، أن نذكّر تلك الأوساط أن حركة حماس نفسها عندما تكتشف عمق الطابع الانتحاري وربما الارتهاني والخياني لن تبقى كالشيطان الأخرس.
وبين التعبير عن «اللا عيب» وعن الرغبة والعمل من أجل الذهاب إلى الهدف ثمة مساحة تبدو (مدروسة) من الغموض ومن الالتباس المقصود.
وبعيداً عن منطق المناكفة و»المعايرة» السائد في بعض التجليات الإعلامية، وبعيداً، أيضاً، عن حالة التربُّص و»التغبُّس» القائمة بين حكم حماس في قطاع غزة وبين المنظمة بمعظم فصائلها وشخصياتها، فإن مسألة الانفصال في الواقع الوطني أصبحت اليوم همّاً سياسياً على أعلى درجات الأهمية والخطورة والحساسية على حدٍّ سواء.
هناك ـ كما أرى ـ عدة تفسيرات لهذا المشروع.
فهناك من يرى أن كل موضوع الانفصال الذي أثير حوله جدل واسع في الساحة الوطنية ـ بغض النظر عن أسلوبية هذا الجدل ـ إنما يأتي في سياق «الضغط» الذي تحاول حركة حماس أن تمارسه على المنظمة بهدف تحقيق «مطالباتها» الخاصة وبهدف محاولة «فرض» شروطها للمصالحة.. وبالتالي فإن الأمر برمّته لا يعدو كونه محاولة للابتزاز السياسي.
لو ذهبنا إلى نقطة أبعد قليلاً في هذا التفسير فإننا بكل بساطة لا نجد غير تكتيك بائس سيذهب بأصحابه إلى ما هو أبعد من الضغط والابتزاز بالضرورة، وخصوصاً عندما يفشل هذا التكتيك في تحقيق الهدف من خيار اللجوء إليه.
فالعقلية التي تتعامل مع الشأن الوطني وفي قضايا مصيرية وحساسة من هذا النوع بمنطق الابتزاز والضغوط لن تتوانى عن تحويل قضايا المصير الوطني إلى لعبة مقايضات ورهانات رخيصة.
والعقلية التي تُرهِن المصير الوطني بتحقيق مصالحها الخاصة وصولاً إلى خراب مالطا ـ إذا لزم الأمر ـ هي بالأساس عقلية غير مؤتمنة على هذا المصير.
وأما الأخطر من هذا وذاك هو أن الاستمرار في هذه اللعبة، واللجوء بالأصل إلى اللعب نفسه كوسيلة من وسائل تحقيق الأهداف الخاصة في شأن مصيري لن يقود إلاّ إلى تحويل الانقسام إلى حالة من «الانفصال» الموضوعي الذي سيصعب تجاوزه في المرحلة الحالية حتى يُصار الى تحوّله إلى حالة من المستحيل السياسي في المرحلة اللاحقة.
مقابل ذلك هناك من يرى أن خيار تلك الأوساط ليس تكتيكياً على الإطلاق، بل ان التكتيك الأساسي لهذه الأوساط هو «المشاغلة» السياسية بما يسمى بالمصالحة، في حين ان هذه المشاغلة هي مجرد «مرحلة انتقالية» للوصول إلى هدف الانفصال الذي هو ليس مجرّد خيار هذه الأوساط في حركة حماس بل هو خيار عدة أطراف إقليمية، وخصوصاً إسرائيل وبقايا حطام الإخوان المسلمين بدعم مباشر أو غير مباشر من قبل كل من تركيا وقطر وبعض القوى القومجية، إضافة إلى كونه خياراً واضحاً لإيران في إطار لعبتها ـ أي إيران ـ لتجميع الأوراق التي تعزز دورها الإقليمي ومشروعها التوسعي والتمدّدي في عموم الإقليم العربي في ظل غياب المشروع العربي، وفي ظل مهادنة الغرب لتوسع وتمدّد المشروع الإيراني.
تحت مسمّى الهدنة، المتوسطة أو الطويلة، وتحت ذرائع الحصار، وفي محاولة لابتزاز النظام السياسي في مصر وفي رهانٍ على قوة الدعم الإيراني والمباركة الإسرائيلية، وربما الأميركية، وبعض الأوساط الأوروبية تتوهم هذه الأوساط أن خياراً من هذا النوع يمكن أن يرى النور، ويمكن أن يشكل مخرجاً سياسياً مناسباً لحركة حماس بدلاً من مشروع المصالحة وإعادة دمج الحركة في النظام السياسي والانخراط في مشروع الشراكة الوطنية.
كان يمكن تصور «نجاح» مشروع كهذا لو اقتصر الأمر على الرغبة الإسرائيلية، وكان يمكن أن تنجح المحاولة لو أن النظام المصري لم يتمكن من ترسيخ نفسه إقليمياً ودولياً بعد أن نجح في ترسيخ نفسه وطنياً. وكان يمكن اعتبار الذهاب باتجاه الانفصال أمراً ممكناً لو أن النظام العربي بقي في حالة الترهل قبل «عاصفة الحزم»، أو لو أن جماعة الإخوان المسلمين تمكّنت من «الصمود» في أي بلدٍ من البلدان التي كانت تراهن على السيطرة عليها.
أما وأن كل ما سبق إنما هي عوامل بدأت تعمل في غير طريق الانفصال، ولم يتبق من أنصارٍ جادّين لهكذا مشروع غير إسرائيل وغير تركيا وقطر على استحياء ودون حماسة كبيرة لاعتبارات كثيرة، فإن مشروع الانفصال والحالة هذه قد تحول في الواقع إلى مشروع يائس لا يحمل في طياته سوى علائم الانتحار السياسي.
هذا ناهيكم طبعاً عن أن العامل الوطني الفلسطيني يمكن أن يتهاون في أي شيء سوى اللعب بمصيره الوطني ومحاولة تكريس مشروع انفصالي على أنقاض مشروعه الوطني.
باختصار، سواء كانت محاولة البحث عن الانفصال كحل ومخرج هي ابتزازية أم هدف بحد ذاته فإن هذه المحاولة هي بحث عن طريقة للانتحار وليس هي بكل تأكيد بحثا جادا عن مخرج سياسي وطني.
وقد يكون ضرورياً تماماً تذكير تلك الأوساط في حركة حماس أن مصر التي تناصب حركة حماس الخصومة العميقة لن تتعامل مع حماس بطريقة الخصومة فقط عندما تقتنع مصر أن ثمة مشروعا لإقامة إمارة للإخوان في غزة.
وقد يكون من المفيد، أيضاً، أن نذكّر تلك الأوساط أن حركة حماس نفسها عندما تكتشف عمق الطابع الانتحاري وربما الارتهاني والخياني لن تبقى كالشيطان الأخرس.