نشرتْ صحيفةُ تايمز أوف إسرائيل، يوم 15/9/2016، قصةً، يعود تاريخها إلى خمسٍ وسبعين عاما، أي عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما تعاونت بريطانيا، مع الوكالة اليهودية، لإيجاد متطوعين يهود ينفذون عملية تفجير مصفاة طرابلس في لبنان، المحتلة من الجيش الفرنسي في ذلك التاريخ، جيش حكومة، فيشي، الموالية للألمان.
جرى تجنيد وتدريب ثلاثةٍ وعشرين يهودياً يسكنون فلسطين، من فرقة، البالماخ (الهاغاناه) لتنفيذ العملية بإشراف الكولونيل، أنتوني بالمر البريطاني، انطلقت الفرقة من ميناء حيفا متوجهة إلى ميناء طرابلس حيثُ الهدف، تدمير (مصفاة البترول) بالمتفجرات، لأنها تزود الوقود للجيش الألماني، ولسببٍ مجهول لم تصل السفينةُ إلى الهدف، اسم السفينة، (أسد البحر) واختفى كلُّ مَن كان على متنها!
لم ييأسُ الباحثون الإسرائيليون، بل واصلوا البحث، في أرشيفات بريطانيا.
تولَّى المؤرخ الإسرائيلي، مارتن سوغرمان البحث في الأرشيف للحصول على معلومات حول هذه العملية، ووضع نظرياتٍ عديدة لتفسير اختفاء الخلية اليهودية المكونة من ثلاثة وعشرين جنديا، لم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل أرسلتْ فرق بحث بحرية، بمعدات حديثة للحصول على قطع ربما تعود للسفينة، أو متعلقات الجنود ممن كانوا يحملون المتفجرات.
دبرت المخابرات الإسرائيلية عام 1982 نشر مجموعة من الإعلانات في الصحف اللبنانية، في صحيفة، أورينت لوجور وخصصت جوائز، لمن يدلون بمعلومات حول الجنود والسفينة.
وافتتحت إسرائيل مكتبا لمتابعة هذا الأمر، شرعَ الباحثون الأكاديميون في البحث في أرشيفات بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، لم يكتفِ المتابعون لهذه القصة بنهايتها المجهولة، بل إنهم تابعوا هذه الحادثة، فأوعزوا لبريطانيا، أن تُخلد الجنودَ اليهودَ في مقبرة الجنود البريطانيين (سوري) كأبطال لهم حقوقٌ عند البريطانيين، مع وضعهم أيضا في سجلات أبطال إسرائيل!!
القصةُ الثانية، نشرتها صحيفةُ، يديعوت أحرونوت، بعد يومين من القصة السابقة، أي يوم 17/9/2016 وهي قصة اكتشاف جالية يهودية جديدة في أفغانستان!!
جرى فحص مجموعة من الوثائق (جينيزاه)، وجدت في كهف في بايمان، قبل الغزو المغولي 1260م، يُقدَّر عددُها بمائتين وخمسين وثيقة، تعود للقرن الحادي عشر، حتى القرن الخامس عشر، في موضوع (طريق الحرير).
أظهرت الوثائق وجود جالية يهودية في أفغانستان، تضم عائلات من التجار اليهود، زمن حكم والي أفغانستان، أبي ناصر.
قام البرفسور، يوئيل فنلكلمان بفحص الوثائق، وستُضاف هذه الجينزاه لمحتويات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
إنَّ أبرز وظيفة للباحثين والأكاديميين، هي تعزيز روح الانتماء للوطن بين الأجيال، وليس مَنح الشهادات، لغرض الحصول على الوظائف، والألقاب الجامعية!
يتعرض تاريخُنا العربي، هذه الأيام للطمس، تحت وطأة الحروب، ويجري تدمير الآثار التاريخية، ويقوم تُجَّارُ الحروب ببيع آثارِنا إلى الدول التي تعرف قيمتها، وتُدرك أهميتها في بناء الأجيال، فكم من (جينزاه) أي مجموعة وثائق يهودية، في بلادنا العربية، تحوي تاريخا عربيا خالصا، عن مسيرة حياة الجاليات اليهودية العربية جرى بيعُها وتهريبُها إلى إسرائيل، لكي توضع في متحفها الرئيس لتعزيز روايتها التاريخية، والتراثية، لجذب المهاجرين إليها!!
إنَّ تواريخَ الأممِ والشعوبِ، ليستْ صفحاتِ كتبٍ مدرسية، وليستْ محفوظاتٍ وأناشيدَ، تُلقَى في المناسبات الوطنية، ولكنها وشْمٌ ثقافيٌ يُعزِّزُ الصمودَ والتحدي، ويُثقِّفُ العقول، ويبني صرَحَ المستقبل.
لا حياةَ لوطنٍ، ولا وُجودَ لشعبٍ أهملَ تاريخَه، حتى وإن كُتب اسمُهُ، ورُسِمَ علمُهُ في كل الخرائط الجُغرافية!!