حين تصبح حقوق الفلسطينيين مضغة للضواري

طلال عوكل
حجم الخط

فيما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري بعد حوالي الشهر تتصاعد الحملات الانتخابية بين المرشحين الديمقراطي هيلاري كلينتون والجمهوري ترامب، وكل يبحث عن عنوان أو عناوين تستدرج الدعم والأصوات.
حتى الآن وبعد المناظرة التي جرت وسط هذا الأسبوع يبدو أن كلينتون تتقدم على منافسها الجمهوري، لكن ما تبقى من وقت يكفي لتعديل أو قلب الأمور رأساً على عقب. التنافس يعكس هُويّتين، والحكم على كل منهما نجاحاً أو فشلاً يعكس بدوره مستوى ثقافة الشعب الأميركي، ومدى معرفته بشؤون السياسة ومتطلباتها، وأيضاً الأولويات التي تعكس طبيعة المصالح.
تعكس هُويّة كلينتون، شخصية السياسي المحنّك، صاحب التجربة العملية الطويلة، المدعومة بالمعرفة، وغزارة المعلومات والثقافة الواسعة بشؤون العالم ومجريات الأحداث، فيما تعكس هُويّة ترامب شخصية رجل الأعمال الناجح، والجهل الواسع بالسياسة والجغرافيا، وضيق الأفق ومحدودية الثقافة والمعرفة وقلّة المعلومات.
المتابعون للسياسة في المنطقة العربية، الذين يتطلعون بإعجاب للديمقراطية الأميركية، ويتحسرون على غياب أبسط قواعدها في المنطقة، هؤلاء ربما تقودهم مفاهيمهم الساذجة إلى الاعتقاد بأن المعرفة هي بالتأكيد التي ستهزم الجهل.
لكن على هؤلاء أن يتذكروا بأن جورج بوش الابن الذي نجح في الفوز برئاسة الإدارة الأميركية دورتين متتاليتين، كان هو الآخر، صاحب هُويّة لا تختلف عن هُويّة ترامب، وخلال الحملات الانتخابية واجه إحراجاً شديداً من قبل الصحافيين حين سألوه عن العراق وصدام حسين وبعض القضايا السياسية الهامة. ببساطة يمكن، أيضاً، الاستنتاج بأن الشعب الأميركي يتسم بالتخلف الثقافي، ولكن إن كانت الأمور على هذا النحو، فإنه يترتب علينا الإجابة عن سؤال: ولماذا جرى انتخابه للمرة الثانية؟
يبدو أن الأحكام التي يطلقها المهتمون بالشؤون الدولية في منطقتنا، تتسم بالسذاجة وتفتقر إلى العمق، ذلك أن المواطن الأميركي لا يرتب أولوياته كما يحلو لهؤلاء فقد تكون الأولوية بالنسبة للناخب، الملف الصحي، أو ملف الضريبة، أو التعليم أو حتى حقوق الحيوان.
ترامب الشعبوي بامتياز، والذي يقدم نفسه ببساطة شديدة ولا يخجل من أن يتردد في الإجابة عن بعض الأسئلة، أو أن يعبّر عن ضحالة معرفته وثقافته، وجد ضالته في استدراج وكسب تعاطف إسرائيل واللوبي اليهودي الأميركي. المسألة بالنسبة للمرشحين ليست مسألة أصوات، لأن عدد اليهود في أميركا لا يشكل فرقاً كبيراً قياساً بعدد الناخبين.
عموماً يحظى الديمقراطيون بنسبة أكبر من أصوات اليهود الأميركيين لكن ترامب أراد أن يحظى بدعم ونفوذ إسرائيل ورأسمال اليهود لدعم حملته الانتخابية مادياً وإعلامياً، وهو امر لا يستهان به. ترامب أطلق جملة من التصريحات والوعود المحبّبة لإسرائيل، فهو يتفق معها، في الحديث عن خطأ السياسة الأميركية إزاء الملف النووي الإيراني، ويتحدث عن خطر إيران دون أن يتعمق في شرح مخاطر وأبعاد الاتفاق بين إيران والدول الكبرى، ودون خجل من أن يبدو ببّغاوياً أو ساذجاً أو قليل المعرفة، فضلاً عن أنه يفتخر بأنه يفعل ذلك انطلاقاً من تبنّيه للسياسة الإسرائيلية.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإنه يطلق وعوداً كنا قد سمعناها سابقاً من مرشحين أمثاله عن أنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأنه سيعترف بيهودية دولة إسرائيل.
يذهب ترامب إلى حيث فشل أقرانه السابقون، وقد يفشل هو الآخر لو قدّر له أن يفوز بكرسي الرئاسة، ما يعني أنه سيكسب الدعم المالي والإعلامي الذي يتطلع إليه من إسرائيل ومراكز النفوذ اليهودية الأميركية، لكن الأمر سيختلف حين يصطدم بالوقائع التي أدت إلى فشل سابقيه.
في كل الأحوال فإن ترامب كمرشح عن الحزب الجمهوري كان سيكسب ما تطلع إلى تحقيقه من الدعم، حتى لو لم يدل بهذه الوعود الصعبة، ذلك أن نتنياهو وحكومته المتطرفة، كان وقحاً في دعمه للجمهوريين خلال الانتخابات النصفية للكونغرس. وبالرغم من الدعم السخي الذي تلقته إسرائيل في عهد اوباما الذي استمر لثلاث سنوات، إلاّ أنها تعاملت مع اوباما وأدواته بكثير من الاستخفاف، ووجّهت لرجالات الإدارة الكثير من الإهانات الصعبة. من الواضح أن ترامب لا يدرك أبعاد ومخاطر التصريحات والوعود التي يطلقها بشأن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسيكتشف أن من السهل أن يمحو النهار كلام الليل.
إذا كان من المرجح أن تنجح هيلاري كلينتون بما يقدم للعالم وللشعب الأميركي، المزيد من المفاجآت فإن فوز ترامب ينبغي أن يرفع في منطقتنا أسئلة كبيرة وعميقة حول كيفية إدارة الحكم ومدى أهمية المأسسة، والنظام الديمقراطي. بعد فوز اوباما الذي ينتمي إلى أصول أفريقية، وهي المرّة الأولى، ينتخب امرأة وهي، أيضاً، المرّة الأولى في تاريخ الانتخابات الأميركية، ويمنح الديمقراطيين فرصة ثالثة وهي، أيضاً، إن لم تكن المرّة الأولى فمن المرّات النادرة جداً.