لا شك أن الدبلوماسية الدولية تقوم بدور مميز وهام في نطاق العلاقات وتدعيمها، لتيسير حل المشكلات والخلافات وإشاعة الود والتفاهم بين الدول، ودعم السِلم وتجنب الحرب.
وكما هو معروف فإن الدبلوماسية الدولية تقوم على تمثيل الحكومة أو السلطة لمصالح بلادها لدى الحكومات، والعمل على حفظ حقوق ومصالح وهيبة الوطن والمواطن، وإن كان كذلك فإن الحال في فلسطين المحتلة يختلف كثيراً عن باقي الدول، نظراً للتعنت الإسرائيلي والرفض المطلق لاستحقاقات عملية السلام، والتهرب المستمر من إقامة الدولة الفلسطينية.
لقد تابعنا جميعاً مشاركة الرئيس محمود عباس في جنازة المجرم شمعون بيرس، وتعبيره لوسائل الإعلام العبرية عن بالغ حزنه لرحيل رجل سلام مثل الهالك بيرس، وما صاحب ذلك من رفضٍ شعبي وفصائلي أوجد حالة من السخط على سياسة الرئيس، وأدت إلى حالة غضب ما كان له أن يفجرها بتصرف لا يمكن أن يتم وصفه بالدبلوماسية، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها الواقع الفلسطيني المرير جراء جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وعمليات الإعدام الميدانية، وقتل الجنود الإسرائيليين واستهدافهم لكل ما هو فلسطيني، أمام صمت دولي مطبق، وحالة وفاة سريرية لزعماء العرب الذين أصروا أن يلعبوا دور "الكومبارس" في سيناريوهات أخرجتها إسرائيل بقبول ورضا عربي ودولي.
إن الشعب الفلسطيني يعيش ظروفاً سيئة جراء استهداف الاحتلال لكافة مقومات الحياة، خاصةً فئة الشباب التي تحيا واقعاً مريراً يدفعها للتساؤل عن دور القيادة الفلسطينية في انتشالها من حالة الضياع وفقدان البوصلة، وتفشي البطالة والفقر والإحباط، وليتساءل عن دور القيادة وعلى رأسها الرئيس عباس في تقديم يد العون والمساعدة لآلاف الحالات الإنسانية في القطاع، عن عوائل قطّعت أوصالها الصواريخ الإسرائيلية، عن أطفال مزقت أجسادها غطرسة الاحتلال وجبروته.
عن أي رسالة سلام يتحدث البعض ويتقدم رئيسنا الصفوف الإسرائيلية مقدماً التعازي بوفاة المجرم شيمعون بيريس الذي يكاد أن يكون أكثر من خدم بلاده من قادتها التاريخيين، وحقق لها السبق في مجال التسلح النووي، ومكنها من بناء ترسانتها النووية، وتشغيل مفاعل "ديمونا" النووي.
سيدي الرئيس.. لن أطيل الحديث كثيراً ولكن القيادة تحتم على القائد أن يؤازر شعبه في محنه، وما أكثر المحن التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، الذي تفرض عليه دولة الاحتلال حصاراً امتد لأكثر من عشر سنوات، فهل يعقل أن يكون حلم الشاب الفلسطيني ينصب على كيفية هجرته من وطنه؟.
وأخيراً فإن الشعب الفلسطيني وأخص بالذكر أبناء حركة فتح لن يقبلوا بتسويق الحجج الواهية والبراهين الزائفة، فهل من المعقول أن يكون "بيرس" رجل سلام وهو رئيساً لدولة الإجرام، فهل من المعقول أن تكون إسرائيل دولة إرهاب ورئيسها رجل سلام؟.
لقد عبر الجميع عن رفضه لهذه المشاركة المهينة التي استخفت بدماء الشهداء وعذابات الأسرى والجرحى، لعلمنا وتيقننا التام بأن هذه المشاركة لن تحقق النصر للقضية ولن تخدمها بالمطلق، بل إنها ستضعف الموقف الفلسطيني أمام العالم، وستظهر الفلسطينيين والإسرائيليين وكأنهما شعبين متحابين، فتلك المشاركة لن يكون لها وصفاً إلا تفريطاً بالثوابت والتنازل عن دماء الشهداء التي روت أرض الوطن بقرار من المجرم الهالك "بيرس".
وختاماً فإن النصر لن يتأتى إلا من خلال الوحدة ورص الصفوف ودعم صمود الشعب الفلسطيني وتوفير مقومات الحياة الكريمة لجيل من الشباب الواعي، الرافض لتمرير أي حماقة تمس هيبة قضيته أمام العالم.