تقرر في اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» في العاصمة القطرية في نيسان الماضي، تجميد إنتاج النفط، إلى حين اجتماع المنظمة من جديد نهاية أيلول في العاصمة الجزائرية، وهي فترة كافية، من وجهة نظر المنظمة لدراسة أوضاع السوق النفطية بما يسمح لها الانتقال من تجميد الإنتاج إلى خفضه، التسريبات إضافة إلى التصريحات من قبل مسؤولين ووزراء نفط من داخل وخارج المنظمة، أشارت إلى أن إمكانية التخفيض غير مجدية بالنظر إلى أوضاع السوق، لذلك، كانت الاحتمالات الأقوى، أن يخرج اجتماع الجزائر لدول المنظمة إضافة إلى روسيا، بأن يستمر قرار التجميد دون اللجوء إلى قرار بالتخفيض.
واقع الأمر، أن نتائج الاجتماعين من الدوحة إلى الجزائر، لم تؤد إلى زيادة في أسعار النفط كما كان الهدف من وراء التجميد أو التخفيض في الإنتاج، لسبب بسيط للغاية، وهو أن قرارات التجميد، لم تكن واضحة أو محددة لا بسقف الإنتاج ولا بتحديد موعد التجميد بشكل واضح، إثر اجتماعات الدوحة، طرأت زيادة طفيفة في أسعار برميل النفط، ولأقل من يوم واحد، ثم عادت الأسعار إلى ما قبل الاجتماع وقرار التجميد، السبب يعود إلى شكوك السوق النفطية بمدى جدوى قرار التجميد غير الواضح وغير المحدد، الأمر الذي تم تفسيره بأن الدول المجتمعة ليست لديها نوايا حقيقية بتجميد الإنتاج، لذلك لجأت إلى تعويم القرار من دون تحديد كوسيلة للتهرب من الالتزام الفعلي بقرار التجميد.
هناك جديد في هذا السياق، قبل التخمة النفطية في الإنتاج، وانخفاض الأسعار من 115 دولارا إلى 34 دولارا مع بداية العام 2014، قبل ذلك، كانت بورصة الأسعار النفطية، تستجيب على الفور، برفع سعر البرميل لمجرد أن يقال إن اوبك ستجتمع ومن المقرر أن يتفق على تجميد أو تخفيض الإنتاج. حساسية البورصة تستجيب برفع سعر البرميل حتى قبل الاجتماع واتخاذ القرار بهذا الشأن، الآن، وحتى بعد صدور القرار، ليس هناك من استجابة من قبل البورصة، نتيجة للشكوك حول جدوى القرارات ومدى الالتزام بها من قبل الدول المنتجة، إضافة إلى عدم وضوح القرارات وتحديدها بدقة.
إلاّ أن عدم الاستجابة من قبل البورصة النفطية لمثل هذه القرارات، يعود، أيضاً، إلى أن مستويات الإنتاج العالية لا تخضع لعوامل السوق، بل لعوامل سياسية بالدرجة الأولى، الرئيس الروسي بوتين، كان وراء تشجيع الدول المصدرة للنفط داعياً «إلى تخفيض الإنتاج وان روسيا ستدعم عملياً هذا القرار في حال اتخاذه، إلاّ أنه واثق من أن جميع الدول تتفهم ذلك، فالمسألة ـ يقول بوتين ـ ليست اقتصادية بقدر ما هي سياسية».
والجديد في هذا السياق، أن ما أشار إليه بوتين صحيح تماماً، وهنا كسر لأحد قوانين السياسة والاقتصاد «السياسة ما هي إلاّ اقتصاد مكثف» فالسياسة هي التي باتت تحدد السياسات الاقتصادية، وليس العكس، الاقتصاد لا يقود بل السياسة، السياسة هي التي تؤثر على القرارات الاقتصادية، في تفسير قد يختلف عليه للمفهوم المتداول حول القانون المشار إليه.
وهنا، يمكن الإشارة إلى الخلافات الحادة بين طهران والرياض والتي باتت إحدى عناوين الخريطة السياسية ـ الأمنية للمنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، إذ يقال إن اجتماع منظمة اوبك في الجزائر قبل أيام، قد أوجد تفاهماً أولياً، بين السعودية وإيران، الثانية كانت ترفض خفض الإنتاج بدعوى أنها قد خضعت لسنوات من العقوبات، الأمر الذي أدى عملياً إلى خفض إنتاجها النفطي بالضرورة، وهي ستخفض الإنتاج بعد التعويض عن سنوات العقوبات إلى أن يصل إنتاجها إلى ما كان عليه الأمر قبل هذه العقوبات، 4 ملايين برميل يومياً، قبل الاجتماع كانت السعودية تصر على أن يخضع الجميع إلى قرار تخفيض الإنتاج، إلاّ أنها ـ ولأسباب سياسية وليس اقتصادية ـ تراجعت في الاجتماع ووافقت على السماح لكل من ليبيا وإيران ونيجيريا، بالإنتاج لمستويات قصوى، وإلى أن يصل إنتاج إيران إلى المستوى الذي كان عليه قبل العقوبات الدولية!!
ومع ذلك، ومرة أخرى، لم تستجب البورصة النفطية لقرار التخفيض الذي اتخذته «أوبك» إضافة إلى روسيا، وللسبب ذاته الذي أشرنا إليه اثر اجتماع الدوحة قبل بضعة أشهر، أي عدم ثقة السوق النفطية بقرارات «أوبك» مع تكرار نفس السياق، عدم وضوح وتحديد القرارات والحصص المحددة، وتأجيل ذلك إلى أواخر تشرين الثاني القادم، وعليه ارتفعت الأسعار عدة بنسات لساعات، ثم عادت الأسعار لتنخفض من جديد، وكأن شيئاً لم يكن.
وحسب إحصاءات رسمية، هناك إنتاج فائض يومياً بثلاثة ملايين برميل، يضاف إلى ذلك، ان هناك مخزونا نفطيا يتعدى هذا الرقم. شركات التصدير، وهي غير شركات الإنتاج، تفضل بيع المخزون طالما الأسعار منخفضة حتى تجدد مخزونها الاحتياطي.
وجديد آخر، وبالنظر إلى المتغيرات البيئية، كان من المعروف أن العالم يستهلك في الشتاء نفطاً أكثر، الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن الصيف الماضي، كان أكثر استهلاكاً للنفط، وهو متغير جغرافي اقتصادي يجب أن يؤخذ بالاعتبار!!