لقسوة الاحتلال أبعاد كثيرة قد لا نكتشفها إلا مصادفة ( نسب أديب حسين)

thumbgen
حجم الخط

وهذا ما رأيته في حضوري الأول لمعرض الكتاب الدولي في عمان، يوم الجمعة.

مع اقترابي من موقع المعرض وأنا أسير بين السيارات صوب المدخل، توقفتُ بدهشة أمام سيارة كُتب على لوحة أرقامها "دمشق"، رحتُ أتأمل السيارة بدهشة، وأنتبه أنني للمرة الأولى أرى شيئًا حاضرًا من دمشق ويحمل اسمها ويقف قبالتي. رغبتُ أن أصورها، أن أطلب من سائقها أن يسمح لي أن أجلس داخلها للحظات.. فلا بدّ أنّ شيئا ما من العبق الدمشقي داخلها.. لكنني طويتُ لهفتي، وسرتُ متقدمة الى المدخل، وأتساءل لماذا علي أن أعيش كلّ هذا الحرمان من دمشق؟

هناك في جناح فلسطين، كان ينتظر الكاتب والفنان الفلسطيني محمود شاهين، حفل تكريمه.. هناك تخبرني الاعلامية الصديقة مي أبو عصب أن الكاتب انتقل الى عمّان من دمشق منذ بضعة سنوات، بعد أن تدمر بيته، تدمر البيت بكل ما حوى من أثريات وجماليات، وضاع وسط جنون الموت الطائف هناك. الاستاذ محمود الذي بدا الحزن دفينًا وسط عينيه، حاول الحفاظ على شبه ابتسامة على شفتيه، لكن حين حانت اللحظة ليسلمه وزيرنا الدكتور إيهاب بسيسو الدرع التكريمي، ترك لأحزانه وأوجاع فلسطين وسوريا تسيل على خديه، ليسقط رأسه كطفل على كتف الدكتور إيهاب، فيما أحاول بصعوبة أن أبتلع تلك الغصة في صدري، وألجم دموعي.

وحين أعود الى الفندق أجد رسالة من الشاعر الصديق ابن غزة ناصر عطالله، يسألني الذهاب الى قسم دار الشروق، لألتقط صورة لكتابه "ما قاله الغريب"، أقرأ الرسالة وتتجدد الحرقة في صدري، قد اتصل بي ناصر قبل أيام سعيدا حين قرأ عن حضوري الى عمان، أخبرني أنّه سيوقع ديوانه الجديد وسيحضنه، لكن الاحتلال قام بدوره هذه المرة أيضا ولم يمنحه تصريحا للسفر.. ليبقى كتاب أقوال الغريب، غريبا ينتظر أباه..

مضيتُ في اليوم التالي أبحث عن الديوان، وحين رأيته احتضنته وهمستُ لوجع غزة فيه "لست وحيدًا".