يقف المشهد الفلسطيني ينتظر حراكا على السطح، بعد أن دبت الحركة في دهاليز العمل السياسي الفلسطيني الخفي ما بين ترتيب لأوضاع داخلية، واصطياد لعثرات البعض والزج بها في سوق المزايدات، وبرستيج الاعتراف بالأخطاء في اختطاف لمراجعات حقيقية لمشوار العمل السياسي الفلسطيني خلال عقد من الزمن.
وصل الخلاف الفلسطيني لأبعد ما يكون وبدلاً من أن نذهب نحو وحدة وطنية تحت مظلة الثابت ومحددات الوطنية، وجدنا أنفسنا في عقدة جديدة من الانقسام بصورة اخطر وبتدخل خارجي يسعى علناً لجمع شمل اكبر فصائلنا الفلسطينية، ويواجهه تيار يشكك في نوايا هذا الجهد.
مشهد يرتسم للبحث عن قيادة جديدة بشكل يعبر عن ضياع الحالة الفلسطينية، لنرى تكراراً لفصل الختام في التعامل السياسي مع الراحل أبو عمار، وليتسرب إحساس لدى المتابع بأن أطراف الإقليم والعالم قد بدأت تعد العدة الفعلية لما بعد أبو مازن.
شغلتنا التفاصيل في مصالحة فلسطينية من خلال بوابة الحكومة وفشلت ، وقُرر لنا أن نذهب نحو مصالحة بوابتها الانتخابات المحلية وارتسمت خيبة أمل وفشلت، والآن نسمع ضجيجاً عن مصالحة فلسطينية عنوانها ومدخلها مصالحة فتحاوية بجهد عربي.
محاولات وضع العجلة على مسارها لا تنفك، وحضور الإقليم وأصحاب التأثير حاضر، ولكن الغياب المستمر هو للنجاح، وهو ما يستدعى القول: هل نحن نضع أنفسنا في المسار الصحيح نحو المصالحة؟ أم أننا نشغل أجندتنا وجماهير شعبنا وامتنا بتفاصيل تضيع الوقت وتشتت التضامن والتأييد.
الفشل الذي تحظى به حماس وفتح هو الحاضر، فأحكام السياسة جعلتنا نرى أبو مازن في عزاء بيريس، وهي ذات الأحكام التي ألزمت حماس بعدم الرد على استشهاد الأسير ياسر حمدوني.
كنا ننتظر من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مراعاة لآهات المكلومين في قرارها بالمشاركة في عزاء المجرم بيريس، ومازلنا في نفس الوقت ننتظر ترجمة حقيقية من قيادة حماس لاعتراف خالد مشعل بالخطأ.
وهنا أضع مزيداً من التساؤلات: هل قرار مشاركة الرئيس تقدم في نفس المكان نحو بعث عملية التسوية في مسارها الفرنسي لمواجهة دحلان؟ أم أن أبو مازن سيذهب بخطوات إعلامية نحو مصالحة مع حماس ضمن ذات المواجهة؟ وهل سيقبل الرئيس بخروجه من المشهد بأقل الخسائر الشخصية.
كذلك فان حماس مطالبة بان تقدم إجابات عن تساؤلات الشارع هل اعتراف رئيس المكتب السياسي رسالة وداع لموقعه الحالي؟ أم هي في ذات السياق الذي أصاب البعض ضمن برستيج الاعتراف بالخطأ، والاهم من ذلك هل أخطأت حماس في تشكيل الحكومة منفردة بعد نتائج الانتخابات؟ أم أن خطأها تمثل في المشاركة في ذات الانتخابات.
الإجابات المنطقية على التساؤلات تضمن الذهاب بنا نحو مصالحة فلسطينية، ففشل خيار التسوية، وتراجع الفعل المقاوم، واستيعاب فاتورة التضحية، يجعلنا نرى مخرجا للحالة الفلسطينية فيمن رفض المشاركة بالانتخابات سابقاً، وأكد على رفضها حالياً تحت الاحتلال والانقسام. فالمنطق يحتم علينا تفعيل منظمة التحرير، ودعوة الإطار القيادي المؤقت للانعقاد، وإقرار التوجه الفلسطيني الذي يعبر عن الجماهير ويستجيب لتطلعاتهم.
نحن بحاجة لانتخابات للوصول إلى إدارة تخدم شعبنا، لكننا لسنا بحاجة لانتخابات تعمل على ترويض مقاومتنا، فلنرتب رقعة الشطرنج الفلسطينية وفق معادلة الإدارة، ولنعطي المقاومة مرونة اكبر في عملها.
برامجنا السياسية هي برامج قوى تحرر في ظل الاحتلال لا تطرح في مزاد الانتخابات، بل من الواجب أن تكون آلية القرار والأسلوب خاضعة لمشاركة الكل الفلسطيني وبالتوافق. أما من يرتب إدارة شئون المواطن فهي مسالة تخضع لنتائج الصندوق ويمكن البذل فيها بالطريقة التي تحفظ وحدتنا وتدعم صمودنا.
لحظة حقيقة من الجميع تصل بنا لإدراك أن الشارع يبحث عن قيادة وطنية جديدة سيكون المحدد الرئيس فيها مصلحة الناس وليست الشعارات الرنانة وتجارب الفشل.