يصف المؤلف والممثل والمخرج رودني الحداد على وجوده إلى جانب عمار شلق في «كلام على ورق» تعزيزاً لدور الممثل اللبناني في العالم العربي.يعترف بذكاء هيفاء وهبي وشريكته في السينما نادين لبكي التي كانت صاحبة الفضل في وصول أعمالهم اإلى العالمية. رودني الحدّاد في هذا الحوار..
- هل فيلم «ريو... أحبك» التجربة الأولى عالمياً.
«ريو... أحبك» ليس التجربة الأولى عالمياً، لأن «وهلأ لوين» إنتاجه فرنسياً وشارك في الخارج، أما «ريو... أحبك» فهو العمل الأول كتابة باللغة الأجنبية، لكن أسلوب الكتابة نفسه وباللغة العربية إلا أننا استعنا بمترجم.
- لكنكم دخلتم ثقافة مختلفة عن الثقافة العربية.
الإنسان لا يختلف بين مجتمع وآخر، الأهم أن نصوّب العمل نحو الفكرة الرئيسية ونخرج من خصوصيتنا وبالتالي سنلتقط المجتمع الذي نكتب عنه.
والنتيجة كانت باعتراف البرازيليين أن فيلمنا كان الأكثر تصويراً للمجتمع البرازيلي، بعد أن لمسنا مشاكلهم الإجتماعية واهتماماتهم كالفقر والمخدرات وكرة القدم. العالم أصبح صغيراً جداً ونطلّع اليوم على ثقافات أخرى من دون أن نزورها وهكذا كتبت عن ريو من دون أن أزورها.
نهاية الفيلم كانت مختلفة عن الفكرة التي نُفذت، لأن البرازيليين لم يقبلوا الإستعانة باللاعب الأرجنتيني دييغو مارادونا بسبب الخلافات السياسية، وكانت وجهتنا سياسية أكثر، ومن الصعب أن نتناول الخلاف الأرجنتيني-البرازيلي في ثماني دقائق، لكننا أصبنا الفكرة التي نود أن نوصلها.
وكان من المفترض أن يأتي مارادونا في نهاية الفيلم ويعطي الكرة للفتى ويقول له «بإمكانك أن تلعب الكرة بقدمك إلا إذا لعبت ضد الإنكليز عندها تستطيع أن تسجل هدفاً بيدك».
- لماذا أدخلتم السياسة في هذا العمل؟
هذا طبعي، أود أن «أحرتق» و«الحرتقة» هي أن نأتي بمارادونا. التركيبة الأصلية كانت منطبقة على مارادونا ولكننا كنا قد جهزنا فكرة بديلة.
- ما الذي تضيفه هذه التجربة إلى مسيرتك المهنية؟
كل عمل نقوم به نتعلم منه، وكانت فرصة أن نشارك في تقديم صورة عن مدينة ريو دي جانيرو. إلا أننا صورنا فيلماً قصيراً من بين 11 فيلماً، كما أن صيغة الفيلم ليست تجارية، وصُنعت هذه الأفلام لتصوير المدينة من خلال رؤيتنا.
- من عرض عليك الفكرة لتشارك في الكتابة؟
الفكرة عُرضت على نادين وهي التي أطلعتني عليها، كنت متردداً في البداية لأن من يكتب فيلماً طويلاً لن يكتب ثماني دقائق، لكن في الإطار العام اعتبرت العمل مفيداً.
- ماذا عن مظهرك بشعر طويل ولحية؟
مظهري سببه دوري في الفيلم الفرنسي Histoire de Fou للمخرج الفرنسي روبير غيديغيان Robert Guediguian، وهو لمناسبة الذكرى المئوية للمجزرة الأرمنية، ويتحدث عن وقائع تاريخية والعمليات التي قام بها الأرمن ضد الأتراك في العام 1921 وحقبة الفيلم ممتدة حتى العام 1983 عند انشقاق الجيش الأرمني السري، علماً أنه ليس المحور ولكنه جزء من الفيلم.
وأؤدي دور قائد الجيش السري الأرمني الذي كان في لبنان حينها. المخرج روبير صاحب الأصول الأرمنية، كان ينوي أن يصور الفيلم قبل 15 عاماً ولكنه وجد زاوية حقيقية من خلال مرور مئة عام على هذه المجزرة وبالتالي اختار هذا التوقيت،.
- هل سيُعرض الفيلم في لبنان؟
الفيلم يتحدث باللغة الفرنسية، وعلى الأرجح أنه سيعرض في لبنان.
- لماذا لم تشارك كممثل في «ريو... أحبك»؟
اتخذت عهداً على نفسي أنني لن أمثل في فيلم كتبته ولم أخرجه. كما أن الدور في «ريو... أحبك» بحاجة إلى رجل متقدّم في السن. وكنا نبحث عمن سيعمل معنا، وكان الدور لهارفي كايتل مع أنه لم يكن ناجحاً.
- لم يكن ناجحاً؟
لا أبداً، كان من المفترض أن يؤدي الدور بصورة أفضل ولم يصل إلى مرحلة الإندماج التي نود أن نظهرها من خلال الفيلم.لكن الممثل الأفضل كان الطفل.
- في فيلمك الأول «البوسطة» لعبت الدور الرئيسي، أما في أعمالك الأخرى فلعبت أدواراً ثانوية، هل منالممكن أن نسمي ذلك تراجعاً؟
ما المشكلة؟ الأفلام التي مثّلت فيها لم تكن تناسبني أدوارها الرئيسية. ويجوز أن يكون تراجعاً ولكنه يأتي من تخلف المنتجين ومضمون العمل الذي تجبرين على العمل فيه. الدور الرئيسي لا يشكل دائماً إضافةً إلى مسيرة الممثل، أحياناً يكون دوراً ثانوياً بمشهدين أفضل من الدور الرئيسي.
- هل رفضت أدواراً رئيسية؟
لا أبداً، الأدوار التي عُرضت عليّ أديتها.
- أي أنك لم ترفض أي دور عُرض عليك؟
رفضت بعض الأدوار بحجة أني لا أود أن أعمل حالياً، ولم أعمل في الدراما إلا مع المخرج سمير حبشي. ولكن أخيراً من أعاد إلي متعة التمثيل هو روبير غيديغيان الذي تعامل معي باحترام فائق، وكنت سعيداً بالعمل معه بغض النظر عن نتيجة الفيلم، فهو بدّل لي طريقة تفكيري وأنه لا يجوز للممثل أن يكون راديكالياً بل يستطيع أن يمارس مهنته إلى حين يحقق العمل الذي يود أن يقدمه.
وسأصدر فيلمي الأول هذا العام وكان من المفترض أن أقدمه قبل عشر سنوات لو كنت في مكان آخر من هذا العالم.لكني سعيد أني وُلدت لبنانياً، لأن لبنان أكثر بلد يتمتع بالحريات كما أني لا أحب النظام والقوانين، الفوضى الموجودة تتجاوز فوضاي، لذلك أنا مرتاح هنا.
- ما هو الفيلم الذي تحضر له حالياً؟
يتحدث عن الواقع اللبناني، وكيف أن الفكرة تتطوّر لتصبح نتيجة، أنهيت الكتابة ولكني أعدّل النص. وهو فيلم من عشرة أفلام كتبتها.
- هل ستستعين بممثلين مشهورين في عملك؟
ما يهمني أداء الممثل ودوره ولا يهمني من هو، في عملي لست بحاجة إلى أحد كي أبيع ولن أساوم على الممثلين الذين سيعملون في فيلمي، وبالتالي سألعب الدور الرئيسي لكي أبيع وذلك استناداً إلى أرقام.
- أديت دوراً ثانوياً في مسلسل «كلام على ورق».
كانت تجربة تعارف إلى جانب تقدير عالٍ واحترام لي ولعملي. حتى لو كان الدور ثانوياً لكنه لم يعد ثانوياً بما أني أديته، كما لم يعد ثانوياً لأنك تتحدثين عنه. حتى فريق العمل كان لديه الصورة نفسها التي أتحدث عنها.
- الدور الرئيسي كان لعمار شلق.
عمار شلق وهيفاء وهبي لعبا الدورين الرئيسيين، وشاركت بهدف تعزيز المشاركة اللبنانية لنخفف الإجحاف بحقنا كممثلين لبنانيين، لأن الممثلين العرب يعتقدون أنهم أفضل منا لكن هذا الإعتقاد غير دقيق.
صناعتهم الفنية ضخمة، ففي مصر مثلاً عدد كبير من الممثلين وبالتالي يعتقدون أنهم النخبة. علينا تغيير هذه الفكرة من خلال تعزيز دور الممثل اللبناني.
- ماذا عن الإنسجام بينك وبين عمّار شلق؟
تجمعني به صداقة علماً أننا لم نلتق إلا مرتين قبل «كلام على ورق». أما الإنسجام في هذا المسلسل فتطلب ثلاث ثوانٍ.
- كمخرج، كيف وجدت تجربة هيفاء وهبي الدرامية الأولى؟
شخصية الممثلة موجودة في هيفا، هي من الأشخاص الملتزمين ولديها الحدس والذكاء ولا ينقصها إلا الوقت والإختبار، وهي لم تقف في مرحلة الإختبار بل ذهبت إلى النتيجة مباشرةً إلا أنها برعت.
- هل فاجأتك؟
بالفعل فاجأتني، فضولي جعلني أشاهد فيلمها الأول «دكان شحاتة» وفوجئت حقاً، لقد فرضت نفسها كممثلة.
- أين تفضل هيفاء في الغناء أو التمثيل؟
أحبها في كل ما تقدمه. الجمال مهم لكنه لا يكفي، لأنه بحاجة إلى مضمون ليكمله. وهيفا تعرف أنها ليست أم كلثوم أو فيروز، تعلم أنها مؤدية وتعمل بطريقة صحيحة.
- نادين لبكي قالت إنك «حساس ودقيق وتمتلك مبادئ».
أشكرها، نحن نتفق إنسانياً وأخلاقياً وفنياً، وفي التعامل أنا دقيق وصعب وحساس لذلك أتحول إلى شخص عنيف. نحاول في أعمالنا أن نقترب من الإنسانية المثالية.
- متى تتحول إلى شخص عنيف؟
عندما يحاول أحدهم استفزازي.
- كل الأعمال التي تعاونتما فيها شاركت في المهرجانات العالمية.
هذا بفضل نادين وجهدها وذكائها. ربما الوصول إلى النجاح يحتاج إلى حظ ولكن إلى جودة في العمل أيضاً، قبل فترة التقيت أحد أصدقائي وسألته عن رأيه في «ريو... أحبك» فقال لي إنه «اسكتش» وهو لم يقدم أي عمل بعد، فأخبرته أنه من غير المقبول منه أن ينعت الفيلم بالـ«اسكتش».
- تعرف متى يكون النقد بنّاء ومتى يكون انتقادياً فقط؟
لا يوجد ما يسمى نقداً بنّاء، وظيفة النقد شرح العمل، وعلى الناقد أن يكون صاحب خبرة وأخلاق عالية وعادلاً لكي يقف في موقع الحكم.
- هل تحب أن تكون حاكماً؟
كل إنسان حر، ومن يحكم نفسه هو حاكم لا يحكمه أحد.
- لكن الحاكم يحتاج إلى رعية.
هذا اعتقاد خاطئ. الأهم أن يحكم نفسه وبالتالي يكون حاكماً حتى لو جلس في منزله، وليس بالضرورة أن يمارس السلطة. اليوم غالبية وسائل الإعلام مسؤولة عن الدماء التي تقع يومياً لأن القيم انحدرت، والمسؤولية فُقدت، أصبحت تجارية وتهدف إلى نشر الخبر السريع.
يوجد فساد متعمّد في العالم لتحويل الإنسان إلى سلعة، مع تهميش الإنسان كإنسان، وذلك بسبب غياب المسؤولية وبسبب تزايد عدد السكان وطريقة العيش.
الإنسان في السابق كان مهدَّداً بالخطر أما اليوم فتحول إلى مهدِّد بالخطر. على العقل البشري أن يتطوّر، لا يمكننا أن نستمر بهذه العقلية.
- كيف تستعيد عملك «ادوار وإليس» الإذاعي كتابةً وإخراجاً وأداءً؟
أحب أن يسلَّط الضوء على هذه التجربة، لأني كنت مسؤولاً عن كل تفاصيلها، علماً أنها قديمة إلا أنها لا تزال تعجبني وسعيد بها، وأحياناً عندما أسمعها أسأل نفسي «كيف زبطت معي»؟ أحياناً نصل إلى قمة الإبداع في اللاوعي، وهذا الحدس لا يوجد دائماً.