الاقصى أمانة في أعناقكم

thumbgen (2)
حجم الخط
 

إسوة بكل ابناء الشعب الفلسطيني، لا يرغب بالموت، يريد الحياة، والعيش الكريم في مدينته ووسط عائلته وأهله وأقرانه في حي سلوان المقدسي. لكن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية واجهزة امنها المجرمة ترفض خياره. وعملت بكل الوسائل والسبل لدفعه دفعا نحو خيار الدفاع عن الذات بالوسيلة، التي إعتقد انها اللغة الكفيلة للرد على وحشيتهم وفجورهم وارهاربهم.

الشهيد مصباح ابو صبيح (39 عاما) لم يعد قادرا على تحمل انتهاكات وجرائم جهاز "الشين بيت" الاسرائيلي. كَّفرْ بحالة الصمت او بتعبير آخر، الاستسلام لمشيئة الجلاد الاسرائيلي. في لقائه اول امس مع موقع "معا"، اي قبل 24 ساعة او اقل من تنفيذ عمليته الفدائية ضد مركز قيادة الشرطة في الشيخ جراح، قال :" القدس في هذه الايام تهود بشكل كبير، وتتعرض لهجمة غير مسبوقة من سلطات الاحتلال.." وتابع "إحنا عايشين بسجن، خلال إسبوع واحد اعتقلت 5 مرات. وكانت إعتقالات لعدة ساعات او ايام، تلاعبت المخابرات امام القاضي في آخر إعتقال حيث قرر إبعادي عن القدس القديمة، لكنهم أصروا على إبعادي عن كامل القدس الشرقية."

وكان "اسد القدس والاقصى"، كما كانوا يلقبونه اقرانه، قد قضى في سجون الاحتلال الاسرائيلي 39 شهرا بشكل متقطع، إضافة لاعتقالات متتالية وقصيرة لايام واسابيع بتهمة "الدفاع عن الاقصى". بمعنى اوضح، ان جهاز الامن الاسرائيلي حَّول حياة الشهيد مصباح إلى جحيم. رغم انه قد لا يكون الأكثر تعرضا للملاحقة والتنكيل والاعتقال. إلآ انه ضاق ذرعا بالتصعيد الهمجي الاسرائيلي العنصري، الذي إستهدف تفريغ المدينة المقدسة من اهلها الفلسطينيين العرب عبر عمليات التطهير العرقي المختلفة: التهويد والمصادرة للارض والاستيلاء على المنازل والعقارات والمقابر وسحب الهويات، والتغيير الهيكلي العمراني والثقافي والديني للعاصمة الفلسطينية القدس، وفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الاقصى، وطرد وإبعاد المرابطين من النساء والرجال منه بذرائع وحجج واهية ... إلخ من الانتهاكات الخطيرة، مما حدا بأسد الاقصى بتنفيذ عملية فدائية في نفس الوقت، الذي كان أعلن فيه ل"معا" انه سيذهب في العاشرة صباحا لتسليم نفسه إلى سجن الرملة، وفق قرار جهاز الامن الاسرائيلي، لاسيما وانهم هددوه بتحويله للاعتقال الاداري، ان لم يسلم نفسه صباح الاحد. كانت النتيجة قتل اثنان وإصابة تسعة من الاسرائيليين بينهم فلسطيني من الخليل، وبعد المطاردة تم سقوط المناضل المقدسي شهيدا على ثرى القدس العاصمة، التي كان يعشق. وأوصى الجميع من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين وكل محبي القدس بحمايتها والحفاظ على هويتها الفلسطينية العربية.

وكتب قبل اقل من 24 ساعة على موقعه في الفيسبوك معبرا عن حبه العميق للمسجد الاقصى المبارك ولمدينته، مدينتنا جميعا، قائلا:" كم اشتاق لعشقي، لحبي. كم اشتاق وكنت اتمنى لو آخر ما آراه واقبله وأسجد على ثراه. أقبل ترابك وأصلي فيك. ولكن هو الظلم، وهم الظالمين. لن اشتاق لاحد كاشتياقي إليك، لن احب أحدا كحبي إياك، رغم سجونهم وحقدهم وجبروتهم وطغيانهم. قالوا (اجهزة الامن الاسرائيلية) 4 اشهر سجن لحبي اياك، قلت والله قليل فعمري وحياتي وكل مالي فداه. إن لم استطع الوصول اليك بجسدي فروحي وقلبي وعيوني ما فارقتك وما تركتك وما نسيتك. الحب الاكبر والعشق الابدي حتى الممات .. الاقصى أمانة في اعناقكم فلا تتركوه وحيدا."

رسالة الشهيد مصباح جلية وعميقة الدلالة، ان الارهاب والتطهير العرقي الصهيوني،لا يولد سوى المزيد من التمسك بالارض ومقدساتها والعاصمة الابدية القدس وكل بقعة من الارض الفلسطينية. ولو حاول قادة إسرائيل واجهزة امنها ومفكروها التمعن والتفكير المسؤول برسالة أسد الاقصى،  لراجعوا سياساتهم الاحتلالية، هذا إن توفرت لديهم الرؤية الواقعية والعقلانية. لان الاحتلال والعنصرية وسياسة التهطير الاقتلاعية الاجلائية والاحلالية لا تولد سوى المقاومة المشروعة للدفاع عن الذات والمصالح الوطنية العليا والحق في الحياة والسلام والتعايش. وما حالة الشهيد مصباح إلآ الانذار مجددا بامكانية عودة الروح لإنتفاضة شعبية جديدة، لن تتوقف هذه المرة  إلآ بالحصول على الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة. فهل يترجلوا عن خيارهم الاستعماري، ويحقنوا الدماء قبل فوات الاوان، ويقبلوا بدفع استحقاق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟