من كوبا إلى إيران: الجهل الإسرائيلي بسياسة أميركا الخارجية

اسرائيل
حجم الخط
هناك شيء ما زال غامضا في الطريقة العدائية التي استقبل فيها الجمهور ووسائل الإعلام في إسرائيل اتفاق الإطار في لوزان. يربط نتنياهو الكارثة بالاتفاق، والجمهور انطلى عليه هذا المقلب الهابط الذي يستخف بالكارثة أكثر من أي شيء آخر. بالنسبة لأوباما الاتفاق يبدو ممتازا، وهنا الكل يشقون الجيوب. 
هناك مجال للانتقاد، للحذر، لتشخيص نقاط الضعف، لإظهار انعدام الثقة بنوايا ايران، ولكن هناك رفضا تاما؟ كل ما في الأمر أن الحديث يدور عن الاتفاق الأفضل الذي يمكن تحقيقه. البدائل هي القنبلة أو الحرب. لقد هاجم نتنياهو الاتفاق حتى قبل أن يعرف ما فيه. فقط بعد المؤتمر الصحافي لكيري وعندما سمع التفاصيل التقنية كان أول من شخص أن الحديث يدور حول اتفاق صلب بإمكانه أن يشد الماء، وبما في ذلك الماء الثقيل، وفورا جمع وزراءه وقال لهم «هناك خطر ألا تنفذ ايران ما يخصها في الاتفاق، ولا يرى فيها العالم تهديدا» (تسريب من «عناصر مجهولة» لباراك ربيد في «هآرتس»). لقد قال لمجلس الوزراء المصغر بأنه يمين نقي خائف ومخوف.
أشك بأن نتنياهو قرأ «معاريف/ الأسبوع» في 1/4/2015 قبل أسبوع من نشر تفاهمات الاتفاق. لقد قيل هناك: «إن ما يثير ذعر نتنياهو وشركائه هو إعادة تأهيل ايران وتموضعها كدولة شرعية. والأسوأ من ذلك: هذا اعتراف بقوتها كدولة عظمى شرق أوسطية. ايران ليست كأس شاي لأي كان، ربما كأس سُم. اوباما الذي يلعب في مجال السياسة الحقيقية وليس في هذيانات على صيغة نتنياهو، لا يمكنه تجاهل ذلك ويقوم بوزن خطواته وفقا لذلك». ليس كسياسي يتباهى بكونه رجل دولة (لأسفنا) وكزعيم يتجاهل قوة ايران والواقع – لكن لحظة، أليس هذا هو الرجل الذي قام بتصفية «حماس»؟.
الأمر ليس الخطر الإيراني ولكن الفضيحة الإسرائيلية: لماذا شوشت علينا عقلنا طوال عشرين سنة؟ هذه هي الحالة الكلاسيكية للشخص منقطع النظير الذي صرخ «الذئب، الذئب» والذئب لم يأت، والذئب لم يقرع الجرس. آمل أن يكون نتنياهو قرأ أيضا تكملة ذلك المقال في «معاريف»، وقدم تقريرا عن ذلك لأعضاء المجلس الوزاري المصغر: «الذعر الآخر لاوباما: الرئيس روحاني دعا في أيلول 2013 الى تجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي. رجل روحاني، حسين موسوي، قال في أيلول 2014 إن الاتفاق النووي الإيراني «سيكون أساسا لأجندة شاملة لتجريد الشرق الأوسط من السلاح». ما يُفهم من الاتفاق أنه سيكون هناك طلب دولي من إسرائيل للانضمام الى ميثاق منع انتشار السلاح النووي – الذي بالمناسبة ايران وقعت عليه». الاستنتاج ليس فقط أن الرجل لم يقضِ على النووي الإيراني كما وعد في مطلع ولايته السابقة (في مقابلة مع برنامج «الحقيقة») لكنه أيضا يُعرض للخطر وجود النووي الإسرائيلي. وربما يكون الأمر جيدا. إن إشرافا دوليا على الإمكانيات النووية لنا هو فكرة ليست سيئة تماما. فكروا بليبرمان، بينيت، دنون وريغف، وكما هو مفهوم بآيات الله المحليين الذين يتجولون في مناطق التطويقات النووية.
المخيب للآمال الذي عليه الدور هو بوجي هرتسوغ. في شأن ايران قال هرتسوغ «ليس هناك يسار ويمين»، الاختلاف الاساسي بين اليسار واليمين في مواضيع السلام والحرب يجب أن يكون الفرق بين خلطة متشائمة من النبوءة الكارثية وبين خلطة متفائلة من البراغماتية بمقاربة صحية. لسبب ما وبالضبط بدلا من أن نحتاج أكثر من أي شخص آخر الى ذلك المركب من البراغماتية المتفائلة، طفت فجأة وثيقة النووي الايراني لحزب المعسكر الصهيوني بالهام من عاموس يادلين، مرشحه (هل ما زال؟) لمنصب وزير الدفاع. صائغو الوثيقة يطالبون بـ»تحسين» البرنامج، ويلفتون الانتباه الى أن الموافقات الأميركية فقط تؤجل موعد الوصول الى القنبلة. وأن هذه الموافقات تعيدها الى الخلف من ناحية وقت الاندفاع اللازم للوصول الى القنبلة. صحيح أنها تضع عليها رقابة لكنها غير كافية. لقد كتب في الوثيقة النووية: على اسرائيل اجراء نقاش استراتيجي سري ومعمق مع الولايات المتحدة... واكماله قبل استكمال الاتفاق النهائي مع ايران، أي فقط بوجي يستطيع. المشكلة هي أنهم يريدون هناك تعهدا أميركيا بـ»ضوء اخضر» تلقائي لكل عمل عسكري اسرائيلي ضد ايران أو مبعوثيها في لبنان أو غزة. «طلب» ليس أقل من غريب. 
مرة يضرب ومرة يُضرب
عندما نتحدث عن متخذي القرارات عندنا لا يدور الحديث فقط عن معارضة اتفاق الاطار ولكن ايضا عن قلة فهم للرجل (أوباما). هذا الاتفاق جزء لا ينفصل ومعروف مسبقا من نظرية اوباما، والنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني هو جزء منها. هل تريد اجراء حوار حقيقي مع الرئيس الأميركي؟ على الأقل عليك أن تفهم ما هي أهدافه. على فرض أن نتنياهو يفهم أهداف سياسته الخارجية التي بناءً عليها على اسرائيل العودة الى حدود 1967، يكون لديه سبب جيد لمهاجمته في كل ساحة ممكنة، ايضا بثمن المس بأمن اسرائيل.
مشكلة نتنياهو ومشكلة الجمهوريين ايضا وحتى مشكلة جزء من الديمقراطيين هي أن أوباما أثبت أنه قادر على ادارة سياسة خارجية وأمنية مناقضة للارث الامبريالي الأميركي. فهو يسير بين القطرات بطريقته، مرة يضرب ومرة يُضرب. مرة ينجح ومرة يفشل. لكن الطريق واضحة: ليس هناك ارسال جنود بكثافة للتدخل على الارض، وقبل كل تدخل في دولة اجنبية هناك جهد لتنظيم تحالف دولي برعاية الامم المتحدة. والى جانب ذلك فإنه يهتم بالحفاظ على المصالح الأميركية حتى لا يثير ضده حزبه. هو يعمل ايضا على مستوى حقوق الانسان وعلى صعيد المصلحة الاقتصادية، وهذه لا تتوافق دائما.
التكتيك هو عدم التردد في الانسحاب ومنع الخسائر مبكرا بقدر الامكان. عندما فشلت محاولة أن يقيم في العراق نظاما مستقرا، وأظهرت دراسة متأنية لعلاقات القوى تدخلا لا يمكن منعه للايرانيين، ترك اوباما هذه الوقائع تتشكل بدون تعريض الجنود الأميركيين للخطر وذلك خلال مواجهة مع جنرالاته. هو يتعاون مع ايران ضد «داعش في سورية، ومن جهة اخرى اذا كان هناك احتمال في اليمن لصد الشيعة المحليين المدعومين من ايران فإنه يتدخل من خلال دعم استخباري وجوي لصالح السعودية ومصر.
ايضا في سورية نجح اوباما في انتزاع السلاح الكيميائي بدون ارسال جنود أميركيين، وفي النهاية استمع بداية الى مستشاريه العسكريين ورجال الاستخبارات وأرسل الوسائل القتالية «للمتمردين»، وعندما تعقد الوضع قرر اوباما عدم التدخل رغم المطالبة «بعمل شيء ما». يقولون إنه يبقي على قطاع لبناني – سوري – ايراني برعاية روسيا. حسب نظرية اوباما الامر ليس كذلك. هذه هي علاقات القوى الحقيقية، وهو غير معني بدس أنفه هناك.
«الربيع العربي» ولّد في مصر نظاما اسلاميا متطرفا رغم الانتخابات الديمقراطية التي صعّدت «الاخوان المسلمين». كان اوباما براغماتيا بما يكفي لكي يرجع ويدعم السيسي الذي قام بخطوات شديدة تنتهك معايير حقوق الانسان الأميركية، في حين أن معارضيه الجمهوريين وأذنابهم في اسرائيل يطالبون بخطوة حقيقية واضحة ضد بوتين «البطل» في اوكرانيا، فقد قام اوباما بتنظيم العالم وفرض على بوتين عقوبات وأوقفه في اوكرانيا وأسقط الاقتصاد الروسي على ركبتيه.
مثال أخير من الاسبوع الماضي: بعد عشرات السنين من المقاطعة يعمل اوباما على تطبيع العلاقات مع كوبا. الجمهوريون ضده. وهذا بالضبط هو السبب في أن اسرائيل نتنياهو لم تقم علاقات طبيعية مع كوبا حتى لو لم يكن هناك سبب حقيقي للمقاطعة.
عن «معاريف»