حرب عالمية ثالثة..!!

حسن خضر
حجم الخط

كانت الحرب في سورية، وعليها، إقليمية ودولية، منذ اندلاع الصراع بين المعارضة ونظام آل الأسد، وتطاير منها شرر في صورة إرهاب ولاجئين على دول الجوار، وعلى أوروبا، التي ضربتها موجة لاجئين غير مسبوقة، في تاريخها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا معلوم ومفهوم. والجديد أن الحرب الإقليمية والدولية أصبحت، في الآونة الأخيرة، ومنذ انهيار الاتفاق الروسي ـ الأميركي على وقف إطلاق النار، واحتدام معركة حلب، مفتوحة على احتمال حرب عالمية ثالثة.
يمكن القول، بقدر قليل من المجازفة، إن الأميركيين والروس لا يريدون حرباً كهذه. ولكن الحروب تنشأ نتيجة تطوّرات غير متوقعة، وقراءات خاطئة لنوايا الطرف الآخر، أحياناً. وكل العوامل المحرضة على تطوّرات غير متوقعة، وقراءات خاطئة، تتوفر الآن في المشهد السوري، الذي اختلطت وتضاربت فيه الرايات والغايات، ولا يشكو ندرة المجانين.
وليس من السابق لأوانه القول إن حرباً كهذه إن وقعت، وعندما تقع، لن تكون محصورة في مسرح العمليات السوري، بل ستنتقل منه في زمن قياسي إلى مناطق قريبة وبعيدة في الشرق الأوسط، وخارجه، أولاً. وأن أهداف المنخرطين فيها لن تكون محصورة في بقاء نظام آل الأسد أو رحيله، الذي سيصبح مسألة شكلية، فهي حرب على الحدود، والخرائط، ومصادر الطاقة، والمياه، في عموم الشرق الأوسط، وعلى موازين القوى والنفوذ في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، ثانياً.
 وبقدر ما يتعلّق الأمر بالشرق الأوسط، فإن القوى الإقليمية المرشحة لاقتسام النفوذ، إذا نجحت في إدارة التحالفات، هي إيران، وتركيا، وإسرائيل، وقد يخضع جانب من العالم العربي لعملية تفكيك وتركيب تمليها شروط من نوع أين وصلت، وأين تقف جيوش المتحاربين، ثالثاً.
من المشكوك فيه ألا يعود الروس والأميركيون إلى خطط وعمليات الطوارئ، في زمن الحرب الباردة، وكلها تنطوي على خرائط تفصيلية للعمليات في الشرق الأوسط، ومن المشكوك فيه، أيضاً، ألا تكون تلك الخرائط قد خضعت لعملية تحديث وتقييم في الآونة الأخيرة، على ضوء ما استجد من التكنولوجيا العسكرية، وما تغيّر من تحالفات، وما طرأ على هذه القوّة المحلية أو تلك، على مدار العقود القليلة الماضية، من قوّة أو ضعف.
يملك الروس والأميركيون قوّة عسكرية هائلة، لكنهم لا يستطيعون الإنفاق على حرب بهذا الحجم، أو حتى إقناع مواطنيهم بجدواها. فعالم اليوم يختلف عن عالم الحربين العالميتين الأولى والثانية. ومن المشكوك فيه أن يتمكنوا حتى من إقناع تركيا وإيران وإسرائيل بالانخراط في حروب بالوكالة، أو أن يكون لديهم ما يكفي من القدرة على ضمان وتلبية الطموحات الإقليمية للمذكورين. الميليشيات، حتى الآن، هي التي تخوض الحرب بالوكالة، ولا أحد يتفاهم معها، إذ يمكن لكبار اللاعبين أن يفاوضوا رعاتها ومموليها، إذا استدعى الأمر، فهي ليست أكثر من بيادق محلية بلا قيمة استراتيجية.
لذلك، تبدو الحرب بعيدة الاحتمال، فليس من مصلحة الروس والأميركيين، ولا حتى القوى الإقليمية، أن تجد نفسها في غمار حرب عالمية ثالثة. وليس من مصلحة أوروبا، التي قد تتحوّل إلى مسرح للعمليات، أو قد تجابه موجات فيضانية جديدة من اللاجئين، نشوب حرب كهذه. ومع ذلك، لا يمكن استمرار الوضع الراهن، في سورية، إلى ما لا نهاية، ولا يمكن وضع حد لوضع كهذا إلا: إما بحل وسط يرضي جميع الأطراف، وهذا بعيد الاحتمال، أو برفع أحد الطرفين الروسي أو الأميركي الراية البيضاء، وإعلان الانسحاب من الصراع في سورية وعليها، وهذا بعيد الاحتمال، أيضاً.
ولعل في وضع كهذا ما سوّغ للبعض في موسكو، وواشنطن، البحث عن حلول حاسمة تجلّت حتى الآن في تبادل الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، والتواطؤ مع الدواعش. وفي الآونة الأخيرة تكلّم جنرالات أميركيون عن احتمال الحرب مع الروس في سورية، ولم يتردد الروس، من جانبهم، في التعبير عن عدم الخوف من المجابهة، والذهاب في العناد حتى نهاية الشوط، إذا استدعى الأمر.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بالعالم العربي فهو يعاني من عجز مثلّث الأضلاع: عاجز عن وضع حد للحرب في سورية وعليها، وعاجز عن الحيلولة دون تطاير شرر تلك الحرب، وعاجز عن الحيلولة دون اشتعال حرب كونية على أراضيه. وهذا يشبه ما كان عليه الحال في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد عادت كلتاهما على العرب بكوارث وفرضت عليهم فواتير لم يتمكنوا من تسديدها بعد، وما أدراك بالمستجد منها. لا يمكن لأحد أن يتخيّل حجم الكارثة التي ستحل بالعرب إذا نشبت حرب كونية في هذا الجزء من العالم.
يمكن لكل ما تقدّم أن يكون مجرّد سيناريوهات سوداوية، بالتأكيد. وإذا كان ثمة ما يبرر إسقاط رغبات شخصية على الواقع، نرجو لسيناريوهات كهذه أن تكون مجرّد أوهام. المشكلة أن ما آلت إليه أحوال العالم العربي، وما شهدناه على مدار السنوات القليلة الماضية، من أحداث كانت تبدو حتى قبل سنوات قليلة سبقتها مجرّد تجليات سوداوية مُجنّحة، لا يجعل من الحكمة استبعاد أسوأ الاحتمالات من قائمة المُتوقع والمُحتمل.