في يوم الاثنين من شهرِ مايو لعام 1937 استيقظ الأديب الرائع فيلسوف القرآن لصـلاة الفجـر ، فشعـر بألـمِ وحـرقة في معدته ، تنـاول لها دواء ، ثم جلس يتلو القرآن .. ومضـت سـاعة على ذلك ، ثم نهض وسار .. ولما كان ببهو المنـزل سقط أرضـا ففزع أهـل الدار وهبوا لرؤيـته ، فـ وجدوه وقد فـاضــت روحــه لـبارئـها .. حمـل جثمانـه ودفن بعـد صـلاة الظهــر بجـوار والديـه في مقبـرة العائـلة في طنطا بـ مصر ، انتهـت حيـاة الشـاعر والأديب بعد عمرٍ قصـير لم يتجاوز السـابعة والخمسـين ..
يـنتهي أصـل عائـلة الرافعـي إلى طرابـلس في لبنان ، ولا تـزال عائلته موجودة في لبنان ، وأول من قدم إلى مصـر من عائلة الـرافعـي هو الشيخ محمد الطاهر الرافعـي وقد قـدم لمـصـر بأمر من السـلطان العثمـاني ليتـولى القضـاء هنـاك على مذهـب أبي حنيفة النعمـان ، وكـان عمـل رجال أسـرة الرافعـي في القضـاء ، حتى أن أكثر من أربعين رجـلاً منهم كـان يعمل في المحاكم الشـرعية بمصـر مما لفت انتباه الكثير لهم .
أما ولادة مصطفى صادق الرافعـي فقد كانت في مدينة بهتيم بمحافظة القليوبية بمصـر سنة1880 ، وقـد دخـل الرافعي المدرسة الابتدائية هناك ، ثم نُقـل والده إلى المنـصورة فانتـقل بصحبتـه ، وهناك دخـل مدرستها الابتدائية ، ولكن مرضـا أفضى بسمعه إلى الصمم قد منعه من إتمام دراسته ، فـترك الدراسـة ولم يحصل منها إلا على الشهادة الابتدائية ، ولكن لحسـن حظـه أن مكتبة والـده كانت عامـرة بالكثيـر من الكـتب فانكّب الرافعي يقرأها حتى أحـاط بجميع كتبها . وبذلك تـكون كل تلك اللغة العميقة ، والآداب الرائعة ، والمؤلفات التي قرأها الملايين ، قد كتبها رجل فقد سمعه منذ طفولته ، حاله كـحال أبو العلاء المعرّي و طه حسين ، فاقديّ البصـر ، وغيـرهم من المبدعين الذين لم تثنهم أمراضهم وعللهم عن مواصلة طريقهم نحو ما يسعون ، والوصول لمستوى يحسدهم عليه كثير من الأصحـاء ..! تسـيرهم فيه العزيـمة القويـة والإرادة نحو العلم والتعلـم .
بـدأ الرافـعي حيـاته الأدبية بكتـابة الشعـر فـكتب ديـوانه الأول عام 1903 ، الذي لاقى إعجـاباً كبيـرا من أدبـاء وشعـراء ذلك العصـر ، ثم رحل عام 1912 إلى لـبنان وألّف هنـاك كتـابه ( حديـث القمـر ) ، وتتابعت بعدها مؤلفاته النثرية : المساكين ، أوراق الورد ، السحـاب الأحمـر .. وغيرها