في "يوم الغفران" في العام 1973 كان يوآف غالنت، الطالب في الصف التاسع، يجلس في الكنيس. "أذكر تلك اللحظة. قام الكبار وتركوا المكان. وبعد ذلك سمعنا أن الحرب قد بدأت"، يتذكر. أصبح ابن الصف التاسع بعد ذلك قائد وحدة الكوماندو شييتت 18. وبعد ذلك أصبح جنرالاً في هيئة الأركان، والآن هو وزير في الكابنيت السياسي- الأمني. وهو من جيل القادة الذين لم يشاركوا في تلك الحرب، لكنه تأثر بها. "لقد كنت طفلاً في حرب (الايام الستة). وأذكر نظرات والدي في تلك الحرب: نظرات الخوف. وفي حرب (يوم الغفران) رأيت نظرات مختلفة، نظرات المفاجأة.
"لقد لعب طلاب الصف الحادي عشر لعبة الطوارئ، بين شوارع جابوتنسكي وبياليك، أمام سينما رماه. طلاب الصف التاسع والعاشر، وأنا منهم، كانوا مساعدين. قمنا في الصباح وذهبنا الى العمل في تانا نوغا، وزعنا البيض في الظهيرة. وفي المساء كنا نسافر الى تل هشومير لوضع الذخيرة على الشاحنات. شعرنا أننا داخل المعركة وأننا نؤدي دورا مهما. ورويدا رويدا، خلال اسبوع – اسبوعين، بدأت تصل الأنباء عن القتلى. أسماء عرفنا بعضها. هكذا وصل نبأ موت شقيق صديقي شمعون. هذا ما أذكره من حرب يوم الغفران".
"في جيلي، عندما كنا جنودا شبابا، كان جميع قادتنا من خريجي تلك الحرب. قائد فرقتي كان مقاتلا في المزرعة الصينية. وكل قادة شييتت الذين كانوا مسؤولين عني – شايكه بروش، يديديا يعاري، عامي ايلون – كانوا مقاتلين شجعانا. ولم تكن تلك الحرب منفصلة عن خدمتنا العسكرية، ونظرا للوقت، فان الدرس الأهم هو أن دولة اسرائيل هزمت ثلاثة جيوش وحسمت المعركة في ستة ايام. بعد ذلك بست سنوات، جيشان من بين الجيوش الثلاثة، بشكل مفاجئ، دفعا اسرائيل الى وضع مختلف تماما، وخلال فترة قصيرة. صحيح أننا تغلبنا عليهما، لكن كعبرة، الوضع الذي نشأ منح الجميع فهما استراتيجيا: حتى لو أن اسرائيل هزمت اعداءها في المعركة وإن لم تكن لديها نية لتدمير العدو وهو باق هنا، يجب التوصل الى اتفاق معه، ويجب فعل ذلك انطلاقا من التفوق".
"محور الشيطان" ما زال هنا
غالنت، الذي يبلغ اليوم 58 سنة، متزوج وأب لثلاثة، على قناعة بأن حرب "يوم الغفران" أعادت صياغة استراتيجية اسرائيل. "مثلما قال كلاوزفيتش إن هدف الحرب هو فرض رغبتك على الطرف الآخر عن طريق العنف ومنعه من فعل ذلك لك، فان حرب (يوم الغفران) أنهت فترة امتدت 25 سنة من الحروب التقليدية، التي انتصرت فيها اسرائيل على أعدائها مرة تلو الاخرى. اختبار النتيجة كان أن الحرب التي بدأت بشكل مفاجئ انتهت على بعد 101 كم من القاهرة، وليس 101 كم من تل ابيب. وقد فهم الأعداء، وخصوصا مصر، أنهم اذا حاربوا ضد اسرائيل في العام 1948 و1956 و1967 وهاجموا بشكل مفاجئ في حرب 1973، فانه حان الوقت لصنع السلام. هذا هو الدرس الذي فهموه، وهو الذي أدى الى التوصل الى اتفاق السلام مع مصر.
"كان من الواضح بعد الحرب أن من يحارب اسرائيل يعرف أنه لا يمكنه الانتصار عليها بالقوة. وهذا أدى الى تحالفات السلام. اضافة الى ذلك، هناك من لم يعترف، بسبب الحرب ايضا، أن اسرائيل كيان دائم في المنطقة، ورفض الاعتراف بها. وعندها نشأ أفقان للحرب ضدنا، الاول (الارهاب)، الذي يتجاوز الحرب المباشرة، والثاني هو القدرة على اطلاق الصواريخ".
* ما هو التهديد الاكبر الآن على دولة اسرائيل؟
- "ايران. تظهر نظرة الى الخارطة العامة بدون شك أن العدو هو ايران. هي مصدر الصلاحية الايديولوجية والارهابية. هي اللاعب الرئيس ضدنا طوال الوقت وفي جميع الساحات. تعمل ايران ضدنا اليوم في خمس ساحات هي قطاع غزة من خلال دعم "حماس" والمنظمات "الارهابية" بزعامة "الجهاد الاسلامي"، "حزب الله" وبناء قوته، وفي "يهودا" و"السامرة" من خلال تشغيل خلايا "ارهابية"، محاولات تجنيد دائمة في اوساط العرب في اسرائيل للعمل ضد الدولة، ساحة عمليات الخارج التي يتم تحريكها من قبل الحرس الثوري الايراني و"حزب الله" لإلحاق الضرر باهداف إسرائيلية ويهودية.
يشكل كل ذلك أدوات لحرب شاملة واستنزاف من اجل اشغال اسرائيل وتضييع وقتها وسفك دمها. وبالتوازي السعي للحصول على السلاح النووي. لقد بقيت لديهم الرغبة في ذلك حتى لو كان هناك صعود وهبوط أو توقف في الطريق الى الهدف.
في حينه حدد الرئيس جورج بوش التهديدات في المنطقة بمصطلح محور الشيطان، طهران – بغداد – دمشق – بيروت. هذا محور خطير جدا على دولة اسرائيل. وبرعاية عمليات مختلفة فان الاغلبية الشيعية في ايران تسيطر على العراق. وتدور المعركة الآن على سورية. هناك محاولة للوصول الى السيطرة العليا الايرانية الشيعية برعاية "حزب الله"، وهذا الأمر يجب أن يقلقنا. لن نسمح بواقع تعمل فيه ايران ضدنا في حدود واسعة من خلال لاعبين آخرين. التهديدات الاخرى التي يتوحد العالم ضدها هي عابرة ومؤقتة. ففي نهاية المطاف سيتغلب العالم على "داعش".
فرص وتحالفات
الوضع الحالي يضعف أعداءنا. "حزب الله" مشغول في سورية. الاتفاق النووي أبعد ايران لبضع سنوات. دول اخرى تنشغل بمشكلاتها الداخلية واستيعاب اللاجئين. هناك محللون يعتبرون أن وضعنا لم يسبق له أن كان أفضل مما هو عليه الآن. ماذا عن انتهاز الفرص من اجل تحالفات جديدة وعلنية واتفاقيات. وايضا اتفاق مع الفلسطينيين؟.
- لنتحدث عن الفرص وننظر اليها من أبعاد متعددة. من الناحية الامنية، ونظرا لأن هذه الفترة هادئة، ولأن اعداءنا لا يعترفون بحق دولة اسرائيل في الوجود، يمكن الافتراض أن مزيدا من المواجهات سيحدث، ويجب الاستعداد لذلك. من الناحية السياسية نوجد في واقع يتطلب منا عقد تحالفات مع كل من نستطيع التحالف معه. والسبب بسيط: اغلبية العالم الاسلامي، 90 في المئة منه سني. ومن بينه 90 في المئة معتدلون. أعداؤهم هم أعداؤنا: الشيعة المتطرفين بقيادة ايران، أو السلفيون والجهاديون السنيون – القاعدة، "داعش" وأمثالهما. يهدد المتطرفون الأنظمة المعتدلة.
هذا هو السبب الذي دفعني طوال الوقت للعمل من أجل ترتيب العلاقات مع تركيا. لأننا عندما نتحالف معهم يصبح الامر صعبا على "حزب الله" وايران. لدينا مصالح مشتركة مع تركيا. مثلا، الحرب ضد الارهاب أو مستقبل سورية؛ حيث إننا جيران لها مثلهم تماما. تركيا ايضا هي احدى الدول الاسلامية الاربع الكبرى في منطقتنا، اضافة الى مصر والسعودية وايران. إذا من الجيد عقد تحالفات وعلاقات مع من لدينا مصالح مشتركة معهم. وسنحارب فقط من نضطر لمحاربته، أما الباقون فسنعيش معهم بسلام".
معرفة كيفية التنازل
عندما يتحدث غالنت عن التقرب من الدول المعتدلة فهو يربط ذلك بموضوع حل الصراع مع السلطة الفلسطينية. وحسب اقواله "هناك مصلحة لحل الصراع، ولكن يجب أن تأتي العملية انطلاقا من الاتفاق ومن تدخل الفلسطينيين".
*ما هو الحل، إذاً؟
- "طوال السنين وافقت اسرائيل على الحديث. منذ الثلاثينيات وحتى الآن وافقت اسرائيل على حلول وسط حقيقية. العلاقات مع الفلسطينيين يجب ترتيبها. هذه مصلحة اسرائيلية وفلسطينية ايضا. يجب ضمان أن أي اتفاق سيؤدي الى نهاية الصراع، وأن نضمن عدم وجود قوة عسكرية تهددنا غرب نهر الاردن. نحن أسياد البيت الوحيد. وفي النهاية يجب التوصل الى عدد من الترتيبات في الأمور المعروفة، لكن الأمن لا يمكن التنازل عنه".
*ما هو موقف اسرائيل الأولي؟
- "أعتقد أن الوضع الاساسي قد فرض بشكل واضح، وهناك قرار حكومي منذ 2004 حول رسالة الرئيس بوش: سنصل الى نهاية الصراع، يجب أن نعترف بالحقائق على الارض – مثلاً التواجد الاسرائيلي في الكتل الاستيطانية والقدس. اذا اعتقد أحد ما أننا سنعود الى حدود 1967 فهو مخطئ. لا توجد أي فرصة لحدوث ذلك. وأعتقد أن الفلسطينيين يعرفون ذلك جيدا. وعندنا يعرفون ذلك ايضا. من ناحية اخرى، يجب أن يكون هناك حل وسط يخدم الطرفين. ومعنى الامر هو أنه سيكون للفلسطينيين تواصل جغرافي مستقل. وهذا سيؤدي الى دولتين لشعبين".
* لكن لا أحد يريد التنازل. هيا نتحدث عن المواضيع الخلافية الكبرى، المسجد الاقصى والقدس؟
- "اذا كان هناك شيء غير مطروح على جدول العمل فهو القدس. أعتقد أن الفلسطينيين سيتراجعون في النهاية عما يقولونه اليوم".
(...) "حينما ألمس حجارة قبور الاجداد في الخليل أقول لماذا نتنازل عن شيء كهذا؟ وفي جبل "يهودا" أقول إن الملك داود سار هنا. واضح أن هذه الارض لنا. من ناحية اخرى، يوجد هنا جمهور مع قصة مختلفة ويجب أن نصل معه الى حل وسط. هناك حقائق على الارض. يجب أن نرى كيف يجب أن نرتبها من أجل الاجيال القادمة وعدم العيش فقط على التاريخ. يجب على الطرفين أن يعرفا أننا هنا وسنبقى هنا. وعلى الفلسطينيين أن يفهموا أن وجود إسرائيل هنا أمر في صالحهم".
بالصور.. الركنيات تمنح آرسنال الانتصار أمام مانشستر يونايتد
05 ديسمبر 2024