في وقت تسيطر الذهنيّة الذكورية على بعض المهن والوظائف في العالم العربي، لمعت الكابتن رولا حطيط (43 عاماً) في عالم الطيران، لتُصبح المرأة الأولى والوحيدة في لبنان التي تقود طائرة.
حطيط تحدثت لـ"هافينغتون بوست عربي" عن عملها، لافتةً إلى أنّها واجهت صعوبات وعقبات في البداية إذ لم تلقَ تشجيعاً، وكان والداها يرفضان أن تنطلق ابنتهما في هذا المجال، حيث كانت تقول لها والدتها: "تريدين أن تصبحي شوفير طيّارة؟!".
وقالت حطيط إنّها غادرت بلدتها "الدوير" في جنوب لبنان قاصدةً بيروت، حيثُ التحقت الجامعة الأميركية في بيروت "AUB" لتتابع تحصيلها العلمي، واختارت تخصص الرياضيات، لكن مسار مستقبلها تغيّر خلال سنتها الأولى، إذ لفتت إلى أنّها علمت بأنّ شركة طيران تطلب عددًا من الطيّارين، فتقدّمت إلى اختبار الدخول وتمّ اختيارها مع 8 طيّارين، جميعهم ذكور، من بين 2000 شخص تقدّموا إلى الشركة.
ولفتت إلى أنّه بالرغم من نجاحها إلا أنّ معارضة أهلها كانت كبيرة ودخولها في عالم الطيران كان أشبه بمهمّة مستحيلة، لكن مع الوقت وافق أهلها على مضض بشرط أن تكمل دراستها وتحصل على شهادتها الجامعيّة.
عن الرحلة الأولى، قالت حطيط التي أمضت 21 عاماً حتى الآن في شركة طيران الشرق الأوسط "MEA" أنّها استلمت رحلة لكن كمساعدة طيّار للمرّة الأولى في رحلة من بيروت إلى جنيف ثمّ من جنيف إلى بروكسيل، حيثُ كان على متن الطائرة 120 راكبًا، أمّا الرحلة التي قادت بها الطائرة بصفتها طيّار للمرّة الأولى فكانت من لبنان إلى عُمان، وكشفت كم شعرت بالمسؤوليّة يومها، فحياة كثيرين بين يديها، وقالت: "لم أتكلّم يومها مع الركّاب كي لا يشعروا بالرهبة إذا علم أحدهم أنّ سيدة تقود الطائرة وكي لا ينعكس الأمر عليّ. إلا أنّ الرحلة مرّت بهدوء وسلام".
وأوضحت حطيط أنّ في مجال الطيران يوجد رتب وترقيات كما في المؤسسات العسكرية، وقد حازت منذ 6 سنوات على رتبة الكابتن وهي أعلى مركز يمكن للطيّار أن يصل إليه.
أمّا عن أصعب ما تواجهه في الجو، فتقول حطيط "إنّ العدو الأوّل لقائد الطائرة هو الطقس"، لافتةً إلى أنّه خلال إحدى العواصف التي ضربت لبنان، لم تستطع أن تحطّ بالطائرة في مطار رفيق الحريري الدولي بالرغم من محاولتين باءتا بالفشل، فعادت أدراجها إلى قبرص، وهناك شعر الركاب بالخوف، وروت أنّ إحدى الراكبات قالت لها إنّها تريد البقاء في قبرص ولن تخاطر بعودتها إلى لبنان، فأجابتها حطيط أنّ سلامة الركّاب في سلّم أولوياتها، وأضافت للراكبة أنّ لديها عائلة تنتظرها أيضًا، وسلامتها من سلامة الركّاب، فعادت الراكبة معها في الرحلة إلى بيروت.
وكشفت عن سبب آخر قد يؤثّر بها وهو حدوث حالات مرضية أو إنسانية مفاجئة على متن الطائرة، وروت أنّ أحد المسافرين تعرّض لأزمة قلبيّة فيما كانت الطائرة فوق ألمانيا ومتجهة إلى لندن، ووصفت ما شعرت به آنذاك إذ عليها أن تقرّر سريعًا أن تطلب من برج المراقبة في مطار ألمانيا أن تحطّ إضطراريًا وتنقذه، وحينها سألت إن كان يوجد أي طبيب على متن الطائرة، وبالفعل قدم طبيب واستعان بالأدوية والأدوات الطبية الموجودة ووضع للمريض رذاذًا وطمأنها أنّه بإمكانها إكمال الرحلة إلى لندن، ولدى وصولها إلى المطار، كانت سيارة الإسعاف بانتظار الراكب عند المدرج.
وعن حياتها الشخصية لفتت إلى أنّها متزوّجة من طيّار ولديها صبيان محمد (15 عاماً) وآدم (12 عاماً)، اللذان تفكّر بأنّهما ينتظرانها في كلّ رحلة تذهب بها، وكشفت أنّها تضحّي كأي أم عاملة وتحاول الاستفادة من وقت الفراغ وكيفية قضائه مع ابنيها، لكنّها لفتت إلى أنّهما لن يدخلا عالم الطيران إذ عاشا في ظلّ عدم استقرار مع غيابها وزوجها عن المنزل. ولفتت إلى أنّ شقيقها أصبح طيّارًا أيضًا بعد حصوله على شهادته الجامعية من الـAUB، لكنّ الفارق أنّ والديها شجّعاه على اتباع خطوات شقيقته التي عارضوها بشدّة في بداية مشوارها المهني.
وأخيراً، روت حطيط أنّ الركّاب يتقبلونها كامرأة في هذا الوقت أكثر من السنوات التي مضت حيثُ كان يعرب البعض عن الخوف عندما يعلمون أنّ امرأة في مقصورة القيادة، مشيرةً إلى أنّ أحد الركاب فاجأها وقال لها إنّه ذهب معها في 4 رحلات كانت مريحة جدًا وشعر بالسعادة لأنّها امرأة وناجحة.