ما تأكد، بوضوح، على ضوء التطورات والمواقف الإقليمية والدولية، على هوامش الأزمة السورية، وخاصة معركة حلب، بأن ما تم التوصل اليه من اتفاق، بين روسيا والولايات المتحدة، بشأن هذه الأزمة، لم يكن محكماً ولا محدداً، بل قابل لاختلاف، الى حد استخدام الفيتو في مجلس الأمن، من روسيا ضد مشروع قرار فرنسي، مدعوم من الولايات المتحدة.
هذا الخلاف، انعكس سلباً على مرآة الساحة العربية، لدرجة وقف مشاريع تنموية سعودية، لجمهورية مصر العربية، على ضوء موقف مصر، الداعم للموقف الروسي في سورية.
لعله بات واضحاً للعيان، بأن دور روسيا في الشرق الأوسط، بات دوراً أساسياً، وبأن الرؤى الروسية ازاء قضايا الشرق الأوسط، وأبرزها الآن، الأزمة السورية، باتت مدعمة بتدخل عسكري مباشر، استراتيجي وقوي وعلني.
قبل التدخل الروسي الاستراتيجي في سورية، جرت بعض الترتيبات اللازمة، وأبرزها لقاء بوتين مع نتنياهو، لتحديد الخطوط الجوية للمقاتلات الاستراتيجية الروسية والإسرائيلية في سورية، وتجنب الصدام، جرى الاتفاق ما بينهما وكان هنالك بند بشأن الملاحقات الساخنة الاسرائيلية، ضد أهداف سورية، تهدد الأمن والاستقرار في اسرائيل.
حاولت روسيا، ان تلعب دوراً في الأزمة التفاوضية الفلسطينية - الإسرائيلية، لكنها اصطدمت بالصلف الإسرائيلي الواضح، فقامت بطي هذا الملف، دون ان تهمله .. في ظل معركة حلب وأهميتها الاستراتيجية.
مسار الأحداث والتطورات، بات يشير بوضوح، الى أن ما تريده روسيا وحلفاؤها في المنطقة، سيتحقق آجلاً أم عاجلاً، وبأن حسم الأزمة السورية، عسكرياً، هو أمر قادم لا محالة. لعله من نافلة القول، بأن ما سيحدث في سورية، ستكون له انعكاساته على مرآة العالم العربي، بشكل كامل، وبأن انهاء الازمة السورية، وعلى النحو العسكري الذي يجري الآن، سيفتح الأبواب على مصراعيها، لدخول روسيا، تخوم الأزمة الإسرائيلية - العربية، وإعادة فتح الملفات السابقة، ومنها قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرارين الدوليين 242 و 338، حسم الأزمة السورية، سيفتح الأبواب على حسم أزمات أخرى، وهذا ما سيرتب منطقة الشرق الأوسط، على نحوٍ جديد.
اسرائيل، التي عملت وحاولت التدخل في الأزمة السورية، باءت بالفشل الواضح .. شأنها في ذلك، شأن أطراف إقليمية كالسعودية وتركيا .. التدخل الإسرائيلي الواضح في الأزمة السورية، جاء في سياقات الرؤية الأميركية الإسرائيلية، لكن التدخل الروسي، وبالتحالف مع حلفاء إقليميين وعرب، وضع حداً واضحاً ونهائياً لتلك الرؤى .. وبالتالي باتت اسرائيل، مرغمة لتنسيق تحركاتها العسكرية مع الروس، وبالتالي التساؤل عن ملامح المرحلة القادمة.
روسيا قادرة الآن، من خلال موقعها المتقدم في سورية، من الضغط على إسرائيل، وتحقيق نقاط تراجع إسرائيلي في المنطقة، ما سيعطي دورها الشرق أوسطي - الجديد، ابعاداً قوية وناصعة في نظر العرب والفلسطينيين جميعاً.
دعوة بوتين للرئيس محمود عباس، ونتنياهو للقاء في موسكو، أعطى مؤشرات كافية بأن الجانب المتعنت هو إسرائيل، لكن هذا التعنت لن يكون مجدياً ولا مفيداً في المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد حسم الأزمة السورية، عسكرياً، وتكريس دور روسيا في الشرق الأوسط، وعلى مقربة من إسرائيل وفلسطين!!