إسرائيل هزمت أعداءها.. ثم هزمت نفسها !

p04_20130525_pic2
حجم الخط

في البداية انتصرنا على من يكره إسرائيل.
وأمام ناظري اللاساميين قمنا بتحويل اليهود من سكان في مدن الشتات خاضعين لغيرهم إلى من يزرعون الصحراء ومن أسسوا الدولة، ويعيشون في وطنهم كأشخاص سياديين أقوياء ومتفاخرين. وقد أثبتنا لكل من طاردنا وداس علينا على مدى مئات السنين بأننا لسنا دون، بل أشخاص لنا هامات مرفوعة، يعيشون كشعب حر في بلادهم – أرض صهيون والقدس.
بعد ذلك انتصرنا على النازيين. وأمام ناظري عالم بأكمله تحولنا من شعب كان مُعرضاً للانقراض إلى شعب اسرائيلي حي.
وأثبتنا لكل من حاول القضاء علينا بالقتل الجماعي وأفران الموت أن قوة الحياة لدينا أكبر من قوة القتل لديهم، وأنه يمكننا الانبعاث من رماد القتل. من النقطة الأكثر ظلاما نهضنا وحولنا أنفسنا إلى أمة من الأمم الحيوية والابداعية والمنتجة في العالم.
بعد ذلك انتصرنا على العرب القوميين، وأمام ناظري الشرق الأوسط الذي يكرهنا قمنا بتحويل الحاضرة اليهودية الصغيرة التي لا فائدة لها إلى قوة إقليمية عظمى يسود العالم العربي أمامها. وأثبتنا للذين أرادوا إلقاءنا في البحر بأنه لا يمكن لأية قوة أن تقهرنا.
الجدار الحديدي الذي بنيناه طوال مئة عام وقمنا بتحصينه في الحروب حول جزءا من أعدائنا العرب إلى حلفاء.
بعد ذلك انتصرنا على الفلسطينيين المتطرفين. وأمام ناظري السكان من مواليد البلاد حولنا أنفسنا من مهاجرين إلى أبناء متجذرين، وأثبتنا لأولئك الذين اعتبرونا أمرا عابرا وزواراً بأننا لسنا صليبيين متنورين أو كولونياليين غرباء، بل أحفاد شعب قديم عاد إلى وطنه من أجل بناء حياته من جديد.
عندما تغلبنا على المشاغبين و»المخربين» وخاطفي الطائرات ومفجري الحافلات ومطلقي الصواريخ، أوضحنا للشعب الذي بجوارنا أننا من هنا وباقون هنا ولن نذهب من هنا أبداً.
خلال هذه الانتصارات على الأعداء القوميين والدينيين والفكريين انتصرنا أيضا على الطبيعة والمصير.
انتصرنا على الصحراء التي هددت بمنعنا من الزراعة والنمو.
انتصرنا على قيود البلاد الصغيرة، الصعبة، التي ليس فيها مصادر.
انتصرنا على حقيقة أننا شعب صغير معزول لا ينتمي للعائلات الكبيرة للأمم.
انتصرنا على الحصار الدولي والمقاطعة العربية والتعالي الأوروبي والعداء السوفييتي والتحفظ المسيحي والمقاومة الإسلامية واحتقار اليمين واغتراب اليسار.
انتصرنا على كل القوى التاريخية التي حاولت منعنا من إنقاذ وجودنا وتحقيق حلمنا وإقامة البيت.
قوة واحدة فقط لم نستطع الانتصار عليها وهي أنفسنا.
لأنه ليس هناك أي عدو خارجي يهددنا نقوم بضعضعة البيت بأيدينا.
الآن بالذات حيث لا يوجد أي خطر خارجي يهدد مستقبلنا، نقوم نحن بتدمير المستقبل.
في الوقت الذي يختفي فيه من العالم سيناريو حرب «يوم غفران» ثانية، يعود سيناريو «الهيكل الثاني»: أصولية، انقسام، وكراهية.
الشعب الذي كان ذات مرة شعبا حكيما لم يعد يرى.
الدولة التي كانت ذات مرة دولة متنورة تغرق في الظلام.
كل يوم وكل ساعة تقوم الصهيونية بدفن نفسها في تلال «يهودا» و»السامرة» وهاوية الدولة الواحدة. بعد انتصارنا على اللاساميين، النازيين، العرب والفلسطينيين.. نخسر أمام أنظار التاريخ، ونحن نتحول إلى العدو الأخطر على أنفسنا.