"ثقوب" في "المظلة الأمنية" لإسرائيل

20161510091038
حجم الخط

إن إطلاق الصواريخ من غزة، في الأسبوع الماضي، أعاد القبة الحديدية إلى العناوين. قبل ذلك كانت حادثة تحليق طائرة دون طيار، روسية كما يبدو، فوق هضبة الجولان. ويصعب أن يخطر بالبال الآن حادثة أمنية لا تتدخل فيها قوات الدفاع الجوية. لا شك أنها انتقلت في السنوات الأخيرة إلى واجهة المنصة، من جسم متواضع في سلاح الجو، بقدرة تنفيذية محدودة، إلى أحد المركبات البارزة في القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي.
السبب واضح تماماً وتعكسه الأرقام التالية: في السنوات العشرة الأخيرة، أكثر من 10 آلاف صاروخ وراجمة أطلقت مباشرة نحو المواطنين في إسرائيل. من الصعب التصديق، لكن هذه هي الحقيقة: حوالى 4 آلاف أطلقت في حرب لبنان الثانية، 4.500 في الجرف الصامد، 1500 في عمود السحاب، إضافة إلى 1000 في الرصاص المصبوب، وبين هذه الحروب، وكل ما تعرضت له سيدروت في السنوات العشرة الأخيرة، أي أن المجموع يتجاوز العشرة آلاف.
حاولوا مثلا تخيل «الجرف الصامد» دون القبة الحديدية. إنه أمر مخيف لأن صواريخ القسام وصلت إلى مشارف الخضيرة وبئر السبع والقدس، بما في ذلك مطار بن غوريون وتل أبيب. خمسة ملايين شخص من سكان الدولة (70 في المئة) كانوا موجودين تحت هذا التهديد على مدى 51 يوماً.
كانت المرحلة الفاصلة التي صادف مرور عشرة أعوام عليها قبل شهرين، هي حرب لبنان الثانية. كانت هذه المرحلة الأولى التي كانت فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية مكشوفة أمام صواريخ حزب الله، وكانت خسائر في الأرواح في أوساط السكان أيضا.
نظرية الأمن القومي التي اعتمدت منذ أيام بن غوريون على الانتقال السريع للهجوم ونقل الحرب إلى ارض العدو، اضطرت إلى إحداث تغيير دراماتيكي. الهجوم لم يوفر الدفاع المطلوب. أصبحت هناك حاجة إلى الدفاع الناجع، وهذا الدفاع يُمكن من تخفيف ضغط الجمهور على متخذي القرارات. ويُمكن الدفاع من صمود متخذي القرارات على المستوى السياسي والعسكري من اجل التصرف بمسؤولية واتزان.
التوقعات غير مشجعة: ما شاهدناه في الجولات السابقة سيكون الحد الأدنى لما ستضطر الدولة إلى مواجهته في الجولة القادمة. يتوقعون أن الطرف الثاني سيحسن قدراته. «ستسقط هنا الصواريخ في المعركة القادمة». قال أحد الضباط رفيعي المستوى: «لا أقول ذلك للتنصل من المسؤولية، بل انطلاقا من المسؤولية الملقاة على الدفاعات الجوية».
«في ظل هذا الواقع يجب علينا التأكد من قدرتنا على إسقاط ما يحمل التهديد الأكبر، نظرا لأنه لا يمكن إسقاط كل شيء. لكن يمكنني القول بثقة: إنه ليس هناك دولة أخرى أو جيش آخر أو سلاح جو في العالم لديهم موقف حول الدفاعات الجوية مثلما يوجد في إسرائيل».

مسؤولية واضحة
لأول مرة نكشف هنا عن سلاح الدفاع الجوي بشكل كامل، بجميع أجزائه. وقد استضفنا من اجل النقاش أربعة من القادة من الفرق التي تشكل معا القوة المحاربة. جميعهم برتبة عقيد، وكل واحد منهم مسؤول عن تشغيل جهاز ما مع مميزات ومهام مستقبلية.
ليران كوهين، قائد كتيبة القبة الحديدية (41 سنة)، متزوج وأب لثلاثة أولاد. إيتان بيران، قائد كتيبة بطاريات الباتريوت في الجنوب، (37 سنة)، متزوج وأب لثلاثة. كوبي ريغف، قائد الكتيبة 66 وتمير شمبر، قائد كتيبة حيرف مغين، متزوج وأب لأربعة. هذه الرباعية والكتائب التي من خلفها هي الخط الأزرق الدقيق، المسؤولة عن الدفاع الفوري لضمان سلامة السكان المدنيين في حالة التعرض لهجوم بالصواريخ من أي نوع وبأي مدى.
* ليران، إن النجاح الكبير للقبة الحديدية خلق توقعات لدى الجمهور بأن الدفاع الذي توفرونه كاملا. أليست هذه وصفة للثقة الزائدة بالنفس؟
ـ «أعتقد أن كل جندي، من الصغير وحتى الوصول إلي، يعمل انطلاقا من الشعور بالمسؤولية القومية. القبة الحديدية هي جهاز يعرفه كل مواطن في الدولة، وأصبحت بمثابة الأسطورة. هذه المسؤولية واضحة لنا جميعا وهي التي توجهنا في سلوكنا أيضا.
«من السهل توضيح ذلك للناس الذين يجلسون في داخل القبة ويعرفون أنهم يدافعون عن بيتهم بالفعل. هذا يدفعهم إلى فهم معنى الفشل في تنفيذ المهمة. صحيح أننا عملنا بجهد خلال الجرف الصامد وعمود السحاب مع نجاحات كثيرة، لكننا نفهم أن الدفاع ليس كاملا. والقبة الحديدية ليست ضمانة لمئة في المئة من النجاح».

*هل يمكنك أن تصف لنا كيف يتم إسقاط الصاروخ؟ ما الوقت اللازم لاتخاذ القرار؟
ـ «القائد في مركز القبة الحديدية له الزمن الكافي، حسب السياسة التي تحدد له مسبقا ما هي المناطق التي يجب الدفاع عنها. وعند وجود أحد الأهداف ضمن المعايير يقوم بإسقاط الصاروخ. وهو يعرف ما يجب أن يفعله وهذا ما يقوم به».
صحيح أن الجهاز يقرر أي صواريخ تسير في الخط الخطير مثل المناطق المأهولة، وأيها سيسقط في منطقة مفتوحة، لكن الضغط على زر الإطلاق منوط بالإنسان. وإبقاء القرار في يد الإنسان وعدم استخدام الأجهزة الآلية، ثبتت صحته في عملية الجرف الصامد: من مئات الصواريخ التي تم إسقاطها، كانت عملية واحدة خاطئة.
يقولون في جهاز القبة الحديدية إنهم يستطيعون التحذير من كل صاروخ يطلق نحو دولة إسرائيل من أي مكان بـ 360 درجة. وكبرهان على ذلك يتم عرض إحصائيات الجرف الصامد. وقد سجلت أثناء العملية أكثر من 4.700 حادثة إطلاق نحو دولة إسرائيل. وبنسبة 1 في المئة فقط لم يتم تشغيل الإنذار. أي خمسة أحداث تملصت من القبة الحديدية. هذه قدرة ملفتة لا يمكن استيعابها، بنيت كجزء من دروس حرب لبنان الثانية. الجبهة الداخلية مسؤولة عن إطلاق صافرات الإنذار، لكن معلومات الإطلاق تحصل عليها من أجهزة الدفاع الجوية.

*مستعدون في وجه إيران
«إيران هي رأس الأفعى. وقد كنا نعرف ذلك قبل الاتفاق النووي، ونعرفه بعد الاتفاق. ايران تتدخل بشكل مباشر في كل ما يحدث هنا، الخط الذي يربط بين «حماس» وحزب الله يمر عن طريق سورية وحتى ايران. وهو خط واحد. نحن نعرف ذلك، وهذا جزء من التحديات التي نواجهها»، قال أحد الضباط الكبار.
* تمير: إن تحديد ايران كعدو رقم واحد هو أمر رئيس بالنسبة لكم. هل في أعقاب الاتفاق الذي وقع مع ايران، لدينا عشر سنوات لعدم التوتر واستغلال هذا الوقت من اجل تحسين قدرتنا؟ هل التهديد المباشر تراجع؟
ـ «نعم العدو الرئيس بالنسبة للوحدة التي أنا مسؤول عنها، هو ايران. الاتفاق لم يغير أي شيء في مستوى استعداد الوحدة. أنا أعتقد خلاف ذلك، لأنك تعرف حجم المسؤولية الملقاة عليك في هذا الموضوع.
* وأنت الجواب الوحيد أمام الهجمات التي قد نتعرض لها من ايران. عليك خلق شبكة أمان، بغض النظر إذا كان الاتفاق سينفذ – الجواب سيبقى في الحد الأقصى. لذلك ازدادت قدرتنا منذ الاتفاق.
_ «صحيح أن صواريخ «حيتس» بنيت كرد على الصواريخ بعيدة المدى، لكننا نحاول استخدامها باتجاهات أخرى. مثلا توجد رادارات قوية جدا ترى عن بعد. ونحن نحاول في كل معركة استخدامها بالحد الأقصى. نحن نحاول استخدام قدرة الجهاز، سواء في المصادر أو في القدرة التنفيذية، من اجل إعطاء الجواب لكل ساحة من الساحات».

جهاز استثنائي
جهاز «كيلع دافيد» هو الجهاز الأصغر عمرا. فهو عمليا في مراحل الاستيعاب الأولى. وفي نهاية السنة سيتم اتخاذ قرار تحويله إلى جهاز تنفيذي.
* كوبي، الجهاز بني مسبقا انطلاقا من موقف السيطرة المركزية. أي تستطيع البطاريات أن تتواجد في أماكن مختلفة، لكن مركز السيطرة يوجد في مكان واحد. هل يمكن القول إن ذلك ينبع من طابع المهمات؟
ـ «هذا جهاز ينظر إلى دولة إسرائيل كلها، وهو يشبه جدا الطريقة التي تعمل بها صواريخ «حيتس»، مركز إداري واحد وعدد من المجسات والرادارات تنتشر وتُمكن من الدفاع عن كل مناطق دولة إسرائيل. لكن السيطرة مركزية والنظرة مركزية. هذا تم بناء الجهاز خلافا للباتريوت والقبة الحديدية التي هي أجهزة موضعية يجب أن تستعد في مجالها الدفاعي».

* ما هي أهدافك؟
ـ «كيلع دافيد هو جهاز بني لتقديم إجابة عن تهديدات أوسع. حتى اليوم نقوم بدمجه مع الدفاعات الجوية. فمن جهة كل جهاز له تفوقه النسبي، ومن جهة أخرى هو حلقة أخرى متداخلة مع جهاز آخر.
«إن جهاز كيلع دافيد يدخل بين القبة الحديدية التي هي الأقل ارتفاعا وبين الصاروخ ويخلق لنا منطقة وسط مشتركة تعمل فيها الأجهزة الثلاثة، كل واحد حسب قدرته. والتحدي هو الملاءمة واختيار الجهاز الصحيح لكل تهديد».

دمج القوات
اسم صاروخ الباتريوت يثير لدى الكثيرين تداعيات من حرب الخليج الأولى في 1991، حيث استخدم لأول مرة لإسقاط صواريخ سكاد التي أطلقت من العراق. وبقي اليوم صاروخ الباتريوت مضادا للطائرات القتالية، ولكن أجريت عليه تحسينات. صحيح أنه ليس هناك اليوم تهديد هجومي لطائرات مقاتلة، لكن هذا التهديد لم يختف. ففي ظل ما تتعرض له المنطقة، هناك تغيرات دائمة، حيث أن المنظمات تحتل مكان الدول وتقيم «سلاح جو للفقراء». وأنا لا أقول ذلك استهزاءً، بل على العكس، هذا تحد أكبر. سلاح الجو أصبح أصغر وأسرع مع إمكانيات أكبر.
* ايتان، في هذه المجموعة الصغيرة التي تجلس هنا، يوجد لك دور استثنائي فأنت الوحيد الذي ستواجه الطائرات وليس الصواريخ.
ـ «حتى الآن، بناء على نظرية الدمج، يحاول كل جهاز السير خطوات إلى الأمام والوصول إلى حالة يستطيع فيها الجميع المشاركة في الجهود. هذا تحدٍ ندركه جيدا. ومن اجل المقارنة، نحن نتذكر أيضا الباتريوت من حرب الخليج. ففي حينه كان جهاز لإسقاط جميع أنواع الطائرات، لكنه كان الوحيد في حينه. لذلك كان حجمه معقولا وقرار تشغيله معقول.
«في الوقت الحالي يوجد جهاز ويوجد مجال للتركيز عليه مدة 24 ساعة وسبعة أيام في الأسبوع من الاستعداد، بغض النظر في الشمال أو في الجنوب. ففي هذا العالم كل طائرة هي تحدٍ بالنسبة لنا. بغض النظر عن الحجم أو النوع، أو إذا كانت مع طيار أو دون طيار. الواقع يتغير أمام ناظرينا، حيث التركيز على الطائرات دون طيار. وقبل وقت قصير قمنا بإسقاط طائرة «سوخوي» سورية في الشمال وكانت مع طيار. ولكن في أغلبية الحالات هناك طائرات دون طيار.
«هذا ينبع بسبب أن الطرف الثاني أيضا يحاول معرفة قدرتنا. حيث أن العدو يعرف جيدا ماذا تعني القبة الحديدية، وهو يحاول التغلب على ذلك، والتغلب على تفوق سلاح الجو الطائر، الذي هو الأقوى في الشرق الأوسط، الآن مثلما في السابق. لذلك يحاولون استخدام الطائرات دون طيار، الصغيرة والسريعة والتي يمكنها الوصول إلى أي مكان وإحداث خطر موضعي. وهذا الأمر غير مفاجئ. وحتى الآن، أجهزتنا الدفاعية قادرة على الرد على ذلك».