وقفة مع الشقيق السعودى.. لماذا بات ضروريا تصحيح مسار العلاقات السعودية المصرية ؟

images (1)
حجم الخط
أظن أنه آن الأوان لحديث صريح مباشر مع المملكة السعودية يستهدف تصحيح مسار العلاقات المصرية السعودية، بدلا من الغمز واللمز ولغة المكايدة المبطنة حرصا على ان تبقى علاقات البلدين راسخة قوية، تلتزم الشفافية وصدق الموقف والحرص على المصلحة المشتركة وتحقيق الصالح العربى العام، انطلاقا من روح الأخوة الحقة التى تلزم الشقيق مصارحة شقيقه إذا ما بدا ان هناك خللا لا ينبغى السكوت عليه، يتطلب تصحيح مسار هذه العلاقات،التى يتعلق بصحتها وسلامتها تعزيز التضامن العربي، والحفاظ على المصالح الأمنية العربية فى مواجهة شرور الفتن ومخاطر قوى الارهاب وتدخلات الخارج التى تعصف بأمن عالمنا العربي!.
 
وما من حاجة إلى ان نؤكد ابتداء، ان السعودية ومصر دولتان كبيرتان يشكلان جناحى الأمة العربية على حد تعبير مسئول سعودى كبير، كل منهما يعرف قدر الآخر، يحسن ان تتوافق رؤيتهما المشتركة حول خطوط الأساس التى تعزز فرص اللقاء وتمنع الإضرار بمصالح اى منهما، وتحفظ لكل منهما قدره وهويته وحقه فى الاجتهاد والخلاف، بما ينفى من قاموس علاقات البلدين كل صور الضغوط والإذعان والرغبة فى إملاء المواقف، والإصرار على أن يكون الخيار الوحيد فى هذه العلاقات اما ان تكون معى بنسبة 100% أو تكون ضدي،لان تطابق المواقف فى جميع القضايا والرؤى يكاد يكون متعذرا حتى بين الأشقاء، لكن ايا من هذه الخلافات الفرعية لا ينبغى ان يمس ثوابت العلاقات بين البلدين او يضر بمصالح اى منهما، مع التزام كل طرف بعدم توسيع نطاق هذه الخلافات، والحرص على ردم اى فجوة تفصل بين المواقف أول بأول، وتجنب الانزلاق إلى معارك وهمية بشأن فروع وقضايا غير أساسية لا علاقة لها بثوابت هذه العلاقات.
 
وما يدعو إلى الحيرة والأسف فى قضية العلاقات المصرية السعودية، ان مصر لا تعرف على وجه اليقين حتى الآن، ما الذى أغضب السعودية أخيرا إلى حد ان توقفت عن شحن صفقة بترول لمصر فى إطار اتفاق تجارى ينظمه قرض سعودى ميسر طويل الأجل بفائدة لا تتجاوز 2%، وإذا صح ما يشاع من ان السعودية أوقفت شحن البترول عقابا لمصر لان وزير خارجيتها سامح شكرى التقى وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف على هامش اجتماعات الأمم المتحدة فى نيويورك فى لقاء يتم كل عام كما التقاه سابقا خلال اجتماعات الدول غير المنحازة فى اندونيسيا، يصبح من الضرورى ان تعبر مصر عن استيائها البالغ من فجاجة فكرة عقاب مصر، لان مصر أكبر من ان تعاقب من دولة شقيقة حتى ان تكن السعودية، ولان لقاء سامح شكرى وجواد ظريف فى نيويورك صدر بشأنه بيان صحفى يؤكد ان الوزير المصرى عبر لقائه نظيره الإيرانى عن ضرورة احترام طهران لشروط الامن العربى وعدم تدخل إيران فى الشأن الداخلى لاى من دول الخليج!
 
كما أن لقاء وزير خارجية إيران فى محفل دولى ليس جرما يستحق العقاب لان مصر ليست دولة تابعة او دولة ناقصة الأهلية! ولأن إيران رغم انتقادات مصر العديدة لمسلكها ومواقفها من دول الخليج تظل دولة مسلمة جارة، يمكن الحوار معها بوضوح وشجاعة بدلا من عزلها واستبعادها!، فضلا عن حق مصر الكامل فى أن يكون لها فى الشأن الايرانى رؤية مغايرة يمكن أن تختلف أو تتقاطع مع رؤية السعودية، لكن مصر فى جميع الأحوال لا يمكن أن تتواطأ على مصالح السعودية أو تتهاون بشأنها فى اى لقاء دولي!.
 
وما يزيد من دواعى الأسف أن يتكرر التهديد السعودى بوقف شحن البترول إلى مصر ثلاث مرات فى غضون ثمانية أشهر هى عمر الاتفاق المالى الذى وقعته مصر والسعودية خلال زيارة الملك سلمان الأخيرة للقاهرة، والذى يخلص فى قرض تجارى تسدد أقساطه على آجال طويلة بفائدة 2% لشراء البترول، ووديعة سعودية فى البنك المركزى المصرى لا تتجاوز قيمتها مليارى دولار ووعد يتعثر تنفيذه برفع حجم الاستثمارات السعودية فى مصر بقيمة 25مليار دولار على عدة سنوات!.
 
وبرغم أن الاتفاق المالى السعودى جد متواضع لا يرقى إلى حجم التحديات التى تواجهها مصر وهى تحارب الإرهاب على جبهتها الأمامية، ولا يقدم للحكومة المصرية شفاعة ضد بعض قوى الداخل المصرى التى تتهم الحكومة المصرية بأنها باعت جزيرتى تيران وصنافير إلى السعودية بثمن بخس! قياسا على اتفاق دول الاتحاد الأوروبى مع اليونان فى أزمتها الأخيرة الذى تضمن وديعة أوروبية فى البنك المركزى اليونانى تجاوزت قيمتها 500مليار دولار، التزمت حكومة مصر بتنفيذ اتفاق جزيرتى تيران وصنافير بأمانة وحسن نيات كاملة، ولم تأبه لهذه المهاترات لأنها تعتقد بالفعل أن الجزيرتين سعوديتان منذ أن سلمهما الملك عبدالعزيز فى بداية أربعينيات القرن الماضى وديعة لدى مصر،وتدافع الحكومة عن هذا الموقف بوضوح وشجاعة أمام الرأى العام المصرى وداخل المحاكم المصرية، علما بان ما يحول دون التعجيل بتسليم الجزيرتين إلى السعودية، أن هناك مشاكل إجرائية دستورية وقانونية تتطلب المعالجة،فضلا عن إسرائيل التى هى بالضرورة طرف ثالث فى الاتفاق، ينبغى أن يوافق على نقل كل المسئوليات الأمنية التى كانت تضطلع بها مصر تجاه الجزيرتين إلى السعودية!
 
ومع الأسف تروج بعض الدوائر السعودية قصصا غير حقيقية عن مماطلة مصر فى تسليم الجزيرتين،وبدلا من مساعدة مصر على مواجهة هذه المشكلات تعرقل السعودية وصول شحنات البترول السعودى إلى مصر كى تزيد من حرج الحكومة المصرية!، رغم أن هذه الشحنات ينظمها اتفاق بيع وشراء محض تجاري، يستوجب احترام شروطه وبنوده كى لا يقع خلط شائن بين السياسة والاقتصاد، فضلا عن أن مصر تستحق معاملة أفضل وأكثر احتراما من جانب المملكة السعودية! ويصبح السؤال المطروح، ما الذى تريده المملكة على وجه التحديد من إصرارها على إثارة مشكلة التعجيل بتسليم جزيرتى تيران وصنافير وهى تعرف على وجه اليقين ان هناك تيارا داخل مصر غير ضعيف يرى أن الجزيرتين مصريتان، لان مصر دافعت عن الجزيرتين على امتداد أكثر من نصف قرن، ولان الجزيرتين يتعلق بهما امن سيناء!
 
وإذا كان الأمر يتطلب استيفاء إجراءات قانونية ودستورية فى مقدمتها نقل اختصاص امن الجزيرتين إلى السعودية بدلا من مصر، فلماذا جرى وقف شحن البترول لمصر؟ وهل تم ذلك كما يشاع احتجاجا على لقاء وزير الخارجية المصرى نظيره الايرانى فى نيويورك؟ أم غضبا من مصر لأنها لم تقطع علاقاتها مع إيران تضامنا مع الموقف السعودي؟ أم أن وقف شحن البترول لمصر يمثل فى حد ذاته عنصرا ضاغطا، ربما يلزم مصر التعجيل بتسليم الجزيرتين دون استيفاء الإجراءات القانونية والدستورية المطلوبة!
 
أسئلة تبدو بغير جواب، جميعها لا محل له من الإعراب لأن باعثها سوء النيات المسبق وليس الرغبة فى التفاهم والتعاون المشترك للتغلب على المصاعب والضرورات التى تفرض نفسها على عملية تسليم الجزيرتين.
 
ولا أظن أن المطلوب من مصر قطع علاقاتها مع إيران تضامنا مع الموقف السعودي، ولن تفعل مصر ذلك لأنه فى ظروف مماثلة كانت السعودية تحتفظ بعلاقات دبلوماسية كاملة مع إيران بينما العلاقات الإيرانية مع مصر مقطوعة! ولم تفكر مصر فى أن تطلب من السعودية قطع علاقاتها مع إيران، وهذا هو حال العلاقات السعودية مع تركيا التى تزداد ازدهارا يكللها تقاطر المسئولين السعوديين على أنقرة، بينما العلاقات التركية مقطوعة مع مصر دون أن تطلب مصر من السعودية مراجعة علاقاتها مع تركيا، لان مصر تعرف ما يجوز وما لا يجوز فى شأن العلاقات الدولية.
 
وأغلب الظن أن الهدف من إثارة كل هذه المشكلات مرة واحدة وفى توقيت واحد هو تعزيز حيثيات السعودية وإثبات سوء القصد المصرى فى القضية الأساسية المتعلقة بموقف مصر من الحرب الأهلية السورية و التى ربما تكون هى جوهر الخلاف المصرى السعودى وباعثه الرئيسي! ولهذا آثرت السعودية أن تركز فى حملتها على قضية فرعية تتعلق بتصويت مصر مع مشروع القرار الروسى فى مجلس الأمن، مع علمها ان المشروع لن يحظى بنسبة موافقة الأعضاء التى تمرره، وان مصيره لن يختلف عن مشروع القرار الفرنسى الذى أبطلته روسيا عندما استخدمت حق الفيتو كى لا يمر من مجلس الأمن.
 
وما يعرفه ابسط دارس للسياسة، ان مصر تملك منذ بداية الأزمة السورية وجهة نظر مختلفة حول الحرب الأهلية السورية باتت كل عناصرها معروفة للجميع، تخلص فى ضرورة إنهاء الحرب على وجه السرعة، والحفاظ على وحدة الدولة والتراب السوري، ورفض تسليح المنظمات الإرهابية التى تعمل على الارض السورية ابتداء من داعش إلى القاعدة إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وغيرت اسمها وعنوانها أخيرا إلى (فتح الشام) ومع ذلك لا يزال العالم اجمع بما فى ذلك روسيا وأمريكا يعتبرها جماعة إرهابية، واستنقاذ الشعب السورى من كارثة إنسانية سوف يتحمل الجميع مسئولياتها، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الحكم والمعارضة تتولى أمر البلاد خلال الفترة الانتقالية إلى أن تتم انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة تحت إشراف الأمم المتحدة.
 
وما يميز الموقف المصري،ان المصريين يرفضون بالمجمل إمداد كل جماعات الإرهاب بالسلاح، لأنك لا تستطيع أن تكون مع الجماعة الإرهابية فى مكان وضدها فى مكان آخر! ولأن الإرهاب ينبغى أن يكون مرفوضا مهما تعددت وجوهه، وهو غادر يمكن أن يعض اليد التى تساعده! كما يميز الموقف المصرى حرصه على ضرورة الفصل الجغرافى بين قوى المعارضة السورية المعتدلة ومنظمات الإرهاب على ارض المعركة خاصة جبهة النصرة، اتفاقا مع قرارات مجلس الأمن ومع مواقف مجموعة الدول الداعمة التى تصر على فصل المعارضة المعتدلة عن قوات جبهة النصرة، ولا تأبه مصر كثيرا فى هذا المجال لمصير حكم بشار الأسد، ولا تبكى أسفا على رحيله أن رحل، لأن مصر تبكى دما على ضحايا الحرب الأهلية السورية، حيث جاوز عدد القتلى نصف مليون مدنى بينما غادر البلاد ما يقرب من 7ملايين سورى تفرقوا فى أنحاء كثيرة من الشرق الاوسط وأوروبا اضافة إلى هدم وتدمير معظم المدن السورية، لكن مصر لاتتاجر بهذا الموقف ولاتزايد على المملكة او تشهر معارضتها للموقف السعودي، ولاتضع رؤيتها مقابل رؤية المملكة السعودية او تدخل نفسها طرفا فى محاجاة الموقف السعودي، اوتطلب من المملكة تغيير رؤاها لصالح الرؤية المصرية وانما تنطلق مصر من عدة اعتبارات موضوعية مفادها، ان الارهاب واحد مهما تعددت اسماؤه وعناوينه ،وان وحدة الدولة والتراب السورى امر مهم لأمن الشرق الاوسط واستقراره، وان تمزق الدولة السورية يرتب نتائج ثقيلة يصعب ان يتحملها الشرق الاوسط، كما ان الشعب السورى لم يرتكب اثما كبيرا يستحق هذا العقاب.
 
ومع الاسف اغفل المندوب الدائم للسعودية فى الامم المتحدة كل عناصر الموقف المصرى ليركز فى لغة خشنة دارجة فقط على تصويت مصر داخل مجلس الأمن تأييدا لمشروع القرار الروسى فى الوقت الذى ايدت مصر مشروع القرار الفرنسى رغم تعارض القرارين!..، وما حدث فى مجلس الامن ان مصر وافقت بالفعل على القرارين لان كل منهما ينص على عدد من المبادئ الاساسية التى تعتقد مصر فى ضرورتها لانجاز تسوية سلمية عاجلة للحرب الاهلية السورية، فضلا عن أن القرارين الفرنسى والروسى يحتويان على عدد من البنود المتماثلة والمشتركة!.
 
صوتت مصر لصالح القرار الفرنسى لان المشروع الفرنسى ينص على الوقف الفورى لاطلاق النار، ووقف جميع صور العدوان من الجانبين، وايجاد مرر امنا لقوافل الاغاثة، ولان المشروع يؤكد ضرورة منع وصول الدعم المادى والمالى إلى الافراد والجماعات التى تتعاون مع منظمات الارهاب، وصوتت مصرايضا على مشروع القرار الروسى لان مشروع القرار الروسى ينطوى على المبادئ ذاتها اضافة إلى ضرورة تحقيق الفصل بين قوات المعارضة المعتدلة وقوات جبهة النصرة!.
 
لم تصوت مصر على اى من مشروعى القرار انطلاقا من اسم الدولة التى قدمت مشروع القرار!، ولكنها صوتت وفقا لتقييمها الموضوعى للبنود التى تضمنها القراران..،وربما لم يلق تصويت مصر على مشروع القرار الروسى ترحيب السعودية لان المشروع يتضمن بندا يؤكد الفصل بين قوات المعارضة المعتدلة وجبهة النصرة الامر الذى تعارضه السعودية، لكن مصر صوتت لصالح هذا البند لانها تعتقد بالفعل ان جبهة النصرة -التى لاتزال تتبع تنظيم القاعدة- تنظيم ارهابى بصرف النظر عن موقف النصرة من بشارالاسد، ولان الفصل الجغرافى بين قوات جبهة النصرة والمعارضة السورية المعتدلة امر توافق عليه الروس والامريكيون من حيث المبدأ رغم اخفاق عناصر التطبيق بعد ذلك، كما ان مجموعة الدول الداعمة لسوريا وبينها مصر والسعودية ساندت هذا المطلب بالاجماع.
 
فهل يستحق تصويت مصر على هذا البند التزاما بموقفها الواضح من ان الارهاب واحد لايتبدل ولايتغير، وان جبهة النصرة تنظيم ارهابى رغم كل محاولات تزويقه - كل هذه الضجة الكبرى التى احدثها الموقف السعودى المفاجىء بوقف شحنات البترول لمصر التى ينظمها اتفاق محض تجاري؟!،وهل هكذا تكون المعاملة بين اكبر دولتين عربيتين تأثيرا فى حاضرالامة العربية ومستقبلها؟!، وهل تستطيع مصر التى تخوض اخطر معارك الارهاب دفاعا عن امنها وامن العالم العربى الصمت والسكوت حيال تصرفات مرفوضة تمس كرامتها الوطنية؟!، ام تدخل فى معركة مواجهة مع الشقيق السعودي، تمزق اواصر الاخوة وتضرب جهود التضامن العربى فى الصميم؟!، وهل يمكن لدولتين كبيرتين تملك كل منهما رؤية استراتيجية ان تتركا مقاديرهما لحملات التواصل الاجتماعى التى تزكى نار الفتنة على الجانبين؟!،ولانها ليست المرة الاولى التى تتعرض فيها مصر لهذه المعاملة المرفوضة التى تكررت ثلاث مرات خلال ثمانية شهور بات من الضرورى ان تكون هناك وقفة مع الشقيق السعودي, تستهدف وضع الامور فى نصابها الصحيح وتصحيح مسار العلاقات المصرية السعودية!؟
-الاهرام