منذ تسلمه قيادة الولايات المتحدة الأميركية أفرط الرئيس باراك أوباما في تفاؤله بحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال تحقيق حل الدولتين، مقدماً ما يكفي من الوعود، فقد استسهل المسألة دون أن يقرأ بعمق النوايا الإسرائيلية وخصوصاً لدى رئيس الوزراء المكشوف لكل العالم باعتباره وريث اليمين والرافض لحل الدولتين.
لقد علق الرئيس أوباما نفسه على أعلى شجرة حين تحدث بهذا القدر من الجدية في جامعة القاهرة عن الدولة الفلسطينية، بل ذهب حتى إلى تحديد حدودها في الرابع من حزيران، وهو ما لم يصل له أي رئيس أميركي سابق تحدث عن الدولتين. وفي اللقاء الأول بينه وبين نتنياهو والذي تم بعد أربعة أشهر من تسلمه منصبه كان صارماً مع نتنياهو الذي أراد قلب أولويات الرئيس الأميركي عندما أرغمه على سماع محاضرة عن الخطر النووي الإيراني، ليرد عليه أوباما بأن يترك تماما هذا الملف تعالجه الولايات المتحدة وفقط عليه أن يحل واجبه المنزلي في الملف الفلسطيني.
بعد هذا اللقاء الذي تحدثت عنه الصحافة الإسرائيلية في محاولة للتغطية على ما حدث كتبت بأن الكيمياء بين الرجلين لم تكن كما يرام، ويبدو أنها بحاجة إلى لقاءات أُخرى لكن الرئيس الأميركي طالب نتنياهو بوقف الاستيطان وإعلان قبوله بحل الدولتين على الملأ، أدرك نتنياهو أن أوباما جاد وليس كمن سبقوه، وأن لا خيار أمامه سوى الانحناء مع الريح حتى تمر العاصفة،.... إنها ثلاث سنوات ونصف المتبقية يستل فيها الحاوي نتنياهو من كمه كل أرانب الخداع، هذا إذا ما خصم منها العام الأخير في ولاية الرئيس وهو العام الذي تدخل به إدارة الرئيس مرحلة ما يسمى البطة العرجاء أي الانكماش نحو الداخل والتحضير للانتخابات، ومرحلة ضعف القدرة على الضغط على إسرائيل يبقى حينها عامين ونصف العام فقط.
هذه الأشهر الثلاثون اعتبرها نتنياهو أصعب اختبار عليه أن يجتاز حبالها ولا يسقط، فمارس ما يكفي من الحيل بانتظار سقوط الرئيس أوباما، وما أن اقتربت انتخابات 2012 حتى أعلن على غير عادة الحكومات الإسرائيلية ضجره وأن مرشحه للرئاسة حينها هو الجمهوري المنافس ميت رومني، ووضع كل ثقله إلى جانب رومني بما يشبه حرق السفن مع الإدارة الديمقراطية والرئيس أوباما.
ومع عودة أوباما بدا نتنياهو كطفل تمكن من العد حتى الرقم التاسع والتسعين وأن معلمه عاد ليطلب منه أن يبدأ من جديد، فكانت سنوات أربع جديدة عليه أن يمررها دون أن يقدم أي تنازلات في الملف الفلسطيني، رافضاً الدخول في مفاوضات ووضع كل الشروط حتى يقبل بمبادرة وزير الخارجية كيري والتي حددت التفاوض لمدة تسعة أشهر فقط، حيث تصلب في رفضه لوقف الاستيطان، مدركاً أن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن هذا الشرط، وبالتالي يقع على عاتقهم فشل المفاوضات، لكن الرئيس الفلسطيني لعب آنذاك نفس لعبة الإسرائيلي إلى أن اضطر نتنياهو إلى قلب الطاولة في وجه الجميع، أميركان وأوروبيين وعرباً وفلسطينيين عندما وجد ظهره في حائط المفاوضات والتسوية.
هنا نحن أمام إدارة أميركية تعرضت للاحتيال على امتداد سنوات حكمها الثماني، ومن المتوقع أن تكون وصلت لهذه النتيجة، بل أنها ليست على هذه الدرجة من الغباء حتى يستطيع نتنياهو ممارسة كل هذا التذاكي دون انكشاف، حينها لن تكون أميركا التي نعرفها إلا إذا كان لديها رغبة بممارسة التغابي عن سبق إصرار وترصد، لأن حجم ما تلقته من إهانات من قبل حكومة نتنياهو وآخرها أن يذهب رئيس وزراء إسرائيل إلى الكونغرس محاولا الانتصار على الرئيس الأميركي في عقر داره ومحرضا الأعضاء على رئيسهم.
منذ الصيف الماضي بدأت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عما أسمته « كابوس نتنياهو «، وهو ما اعتبره رئيس وزراء إسرائيل الضربة التي يمكن أن يوجهها له الرئيس الأميركي في طريق عودته بأن يذهب الى مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزم بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هذا بعد إعلان نتائج الانتخابات الأميركية التي ستتم في الثلاثاء الأول من نوفمبر القادم، أي أن الفترة الحرجة في تاريخ نتنياهو تبدأ من لحظة إغلاق الصناديق في الولايات المتحدة حتى العشرين من كانون الثاني القادم يوم تسليم الرئيس للسلطة حوالي شهرين ونصف.
خوف نتنياهو وكل جهده ينصب الآن على ضمان تمرير تلك الفترة دون الذهاب لمجلس الأمن، وقد عبر عن هذه الخشية صراحة خلال الاتصال الهاتفي بوزير الخارجية الأميركية، بل وحاول ابتزاز المرشحة هيلاري كلينتون مستغلا لحظة الضعف كمرشحة للحصول على تعهد من الإدارة الأميركية بعدم تدويل الملف .. إذ بات هذا هو الشغل الشاغل للحكومة الإسرائيلية والتي باتت تتلمس ربما بعض مؤشرات إذا كان الرئيس الأميركي يسير بهذا الاتجاه.
يمكن أن نخمن للحظة أن إدارة أوباما التي تلقت ما يكفي عن الإهانات وتم إفشال مساعيها ليس فقط تفكر بالانتقام بل ربما حفاظاً على هيبة الولايات المتحدة، لأن المسألة تتعلق بدولة كبرى، فهل تسمح بعرقلة جهودها من دولة تتلقى منها الرعاية والدعم والمصروف؟ وهنا ليس بالضرورة أن تذهب أميركا بنفسها ولكن بعض الخوف الإسرائيلي ينطلق من تقديم أحد الأطراف مسودة مشروع تسمح الولايات المتحدة بتمريره من خلال عدم استخدام حق النقض «الفيتو».
قد يكون ذلك وارداً، لذا كثر الحديث فلسطينياً عن مشروع تعد له السلطة الفلسطينية حول الاستيطان ربما تقدمه لمجلس الأمن الدولي، هذا المشروع الذي يشكل أزمة مقتل بالنسبة لحكومة الاستيطان القائمة والتي تسابق الزمن بالبناء الاستيطاني لجعل حل الدولتين مستحيلاً، الحقيقة أن على الولايات المتحدة ان تفكر بهذا المنطق وأن تتوقف عن حماية من أهانها في مجلس الأمن .. أصبح لديها تجربة طويلة من التلاعب، وأغلب الظن أنها باتت تدرك أن لا حل من خلال المفاوضات ولا حل مع هذه الحكومة، وليس هناك حل إلا من خلال فرض الحل، فهل ستفعلها نهاية هذا العام ؟.. ربما ..!