الانتخابات المحلية ... العبرة مما حصل‎

هاني المصري
حجم الخط

إن تأجيل الانتخابات المحلية لأربعة أشهر هي فترة كافية لتذليل العقبات ومعالجة الأسباب التي أدت إلى التأجيل في حال توفر الوعي والإرادة السياسية الحقيقية لإزالة العقبات، ومن دون ذلك فلا أربعة أشهر ولا حتى أربع سنين كافية لإجراء انتخابات تكون بداية لعملية تنتهي بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. فالانتخابات المحلية ضرورية لتساعد على استعادة الوحدة، المدخل الطبيعي لتجسيد مقاومة فعّالة للاحتلال، قادرة على إحباط مخططاته، وتوفير مقومات الصمود والبقاء، واستمرار التواجد البشري الفلسطيني على أرض فلسطين.
إن المرحلة الراهنة ليست مرحلة يمكن فيها التوصل إلى حلول وطنية، لا عن طريق المفاوضات ولا عن طريق المقاومة. فالاختلال الفادح في ميزان القوى الذي تعمق في السنوات الأخيرة جرّاء تعمّق الانقسام والتيه الفلسطيني والحريق المندلع في العالم العربي الذي وفّر بيئة إستراتيجية مواتية لإسرائيل؛ يفتح شهيتها لتحقيق المزيد من المكاسب على طريق استكمال تنفيذ مخطط إقامة «إسرائيل الكبرى».
يرجع السبب الجوهري لتأجيل الانتخابات المحلية إلى أنها كانت ستُجرى في ظل الانقسام، ما يعني أنها ستكون خطوة لتكريس الانقسام، ومنحه شرعية من خلال التعامل معه كواقع قائم ليس أمامنا سوى إدارته وتحسين شروط الحياة تحته. أما السبب الثاني فيعود إلى تربص كل من «فتح» و»حماس» بالآخر، وسعي كل طرف لجعل الانتخابات محطة لتكريس سلطته وأحقيته في مواجهة الطرف الآخر، لذا كان كل طرف يعمل كل ما يستطيعه، بصورة شرعية أو غير شرعية، على ألا تكون الانتخابات ونتائجها هزيمة له، أو حدثًا من شأنه أن يمسّ بشرعيته ومصادر قوته.
وافقت «حماس» على إجراء الانتخابات في قطاع غزة لأسباب عدة، أهمها أنها حصلت على اتفاق صادقت عليه حكومة الحمد الله، يؤكد شرعية سلطتها من خلال إعطاء قضائها وأمنها ومعلميها مهمات الإشراف على الانتخابات وتوفير الحماية لها، وهذا جعل «حماس» تبدأ معركة الانتخابات وبيدها مكسب مهم جدًا.
إن سؤال الشرعية لا معنى له في الوضع الفلسطيني الحالي، لأن شرعية المؤسسات والرئيس تآكلت بشكل كبير بعد سنوات على انتهاء المدة القانونية للرئاسة والتشريعي، ومرور أكثر من 20 عامًا عى انعقاد المجلس الوطني.
منح سلطة «حماس» الشرعية، من قبل الحكومة وبدعم من الرئيس، من الاتفاق المذكور أدى إلى معارضة شديدة من «فتح» واللجنة الرباعية العربية، ولكن مخطط إجراء الانتخابات استمر بعد استبدال الرهان على عدم مشاركة «حماس» في انتخابات 2016 أسوة بمقاطعتها لانتخابات 2012، إلى الرهان على خسارتها للانتخابات، ويرجع ذلك إلى أن «فتح» رأت أنه من غير المناسب التراجع عن إجراء الانتخابات بعد الإعلان عنها، وما أثاره ذلك من حماسة سياسية وشعبية كبيرة، لأن هذا سيوجه ضربة شديدة لها من خلال ظهورها بمظهر الخائف من الانتخابات.
وساعد على مضي «فتح» بدعم إجراء الانتخابات أن ثلث القوائم التي كانت ستفوز بالتزكية، كانت في غالبيها باسم «فتح»، وأن هناك عشرات القوائم التي تحالفت فيها مع «حماس»، وخصوصًا في مدينة نابلس، إضافة إلى أن قوائم «فتح» في قطاع غزة جسّدت تعاونًا ما بين «فتح» و»المتجنحين» من جماعة محمد دحلان، ما سيقوي من فرص فوز «فتح»، أو تحقيقها نتائج جيدة على الأقل.
وجاءت الطعون الواسعة التي قدمتها «حماس» على قوائم «فتح»، والتي أدت إلى إلغاء تسع قوائم في قطاع غزة، لتكون الذريعة المناسبة التي أعطت الضوء الأخضر لصدور القرار القضائي برفض إجراء الانتخابات من دون القدس وتحت رعاية سلطة «حماس» في غزة، والدعوة إلى إجرائها في الضفة الغربية وحدها، الأمر الذي ستكون له نتائج سيئة لجهة تعميق الانقسام وتسريع عملية تحوله إلى انفصال دائم.
صحيح أن من حق «حماس» استخدام القانون لإضعاف خصمها ومنافسها الأساسي، ولكن ليس من الحكمة ما قامت به من طعون وصلت إلى حد الطعن في رئيس قائمة صدر حكم في حقه لأنه لم يضع سلة النفايات أمام منزله قبل وصول سيارة جمع النفايات.
الآن، الحكومة فعلت خيرًا بقرارها تعيين المجالس المنتخبة لإدارة البلديات إلى حين إجراء الانتخابات، وقررت العمل على إنشاء محكمة خاصة بالانتخابات المحلية على غرار ما هو معمول به في القانون المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية. وعارضت «حماس» هذا التوجه حتى الآن، لأنه يسحب الشرعية عن سلطتها، وهو المكسب الذي حصلت عليه وساهم بصورة أساسية في اتخاذها قرار المشاركة، بل صعدت «حماس» من رفضها من خلال تقديم كتلتها البرلمانية توصية بإعادة حكومة هنية، في إشارة إلى أنه في حال لم يتم تدارك الأمر قبل تفاقمه، فنحن متجهون إلى التصعيد وليس للحل الذي يمكّن من إجراء انتخابات بعد أربعة أشهر.
على كل الحريصين على إجراء الانتخابات العمل على أن تكون الانتخابات خطوة إلى الأمام ومدخلًا للوفاق الوطني وليس لتكريس الانقسام، وذلك يكون من خلال أخذ الظرف الخاص الاستعماري الاحتلالي الذي تعيشه فلسطين بالحسبان عند إجراء الانتخابات. وكذلك عليهم العمل على نزع جميع صواعق التفجير من الألغام المنثورة في الطريق، لأن تشكيل محكمة خاصة لا يكفي، فلا بد أن يحدث ذلك بالتوافق عليه، وأن يشمل معالجة بقية البنود الواردة في قرار محكمة العدل العليا، ما يتطلب التعامل مع الانتخابات في القدس (يمكن ذلك من خلال الاتفاق على تشكيل مفوضية)، وتوفير الجوانب الإدارية والأمنية للانتخابات التي إذا لم تُحلّ بشكل متفق عليه يمكن أن تستخدم لتعطيل الانتخابات مرة أخرى أمام محكمة العدل العليا.
ويتطلب إجراء الانتخابات الحرة النزيهة توفير شروطه، التي أهمها أن تُجرى الانتخابات في أجواء من الثقة والاطمئنان، وضمان حرية الترشيح والدعاية واحترام النتائح مهما تكن، فلا نعمي الأبصار عن الانتهاكات التي جرت بشكل واسع في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخصوصُا في الضفة، من خلال قيام الأجهزة الأمنية بضغوط واستدعاءات واعتقالات وتهديدات لكثير من المرشحين من العواقب التي تنتظرهم في حال الترشح، ما دفع العشرات منهم في الحد الأدنى بعدم الترشح.
إن إجراء أي انتخابات قادمة في ظل الاستقطاب الحادّ بين السلطتين، والتحريض المتبادل، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتنافس بين الإقصاء والمشاركة وفق ما تقتضي المصلحة، واللوم المتبادل عن الطرف المسؤول عن تأجيل الانتخابات، وفي ظل فشل المساعي العربية لإعادة مجموعة دحلان إلى «فتح»، وتداعيات كل ذلك سيضيف عنصر تفجير جديدا مقلقا لفتح، يضاف إلى عناصر التفجير الماثلة أصلًا، لأن القوائم الفتحاوية المشتركة في قطاع غزة أصبحت من الماضي، وأن أي انتخابات قادمة ستشهد تنافسًا شديدًا بين الفريقين، ما يرجح الكفة إلى عدم إجراء الانتخابات على الأقل في قطاع غزة.
يضاف إلى كل ذلك ما سيحدث خلال الأشهر القادمة التي تعمل فيها «فتح» على عقد مؤتمرها السابع قبل نهاية العام، إضافة إلى عزم الرئيس على عقد المجلس الوطني بعده بشهر، ما يعني حدوث تجاذبات قوية داخل «فتح»، وتوتر شديد في علاقتها مع جماعة دحلان، ومع «حماس» التي ستنظر إلى عقد المجلس الوطني بتشكيلته القديمة تنكرًا للاتفاقات.
إذًا، الكثير يتوقف على ما سيحدث خلال الأشهر القادمة، التي ستشهد أيضًا انتخابات لاختيار قيادة جديدة لحركة حماس. وإذا بقيت الفصائل الأخرى ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية في حالة انتظار وتكتفي بمناشدة «فتح» و»حماس» ومحاولة حل مشاكل جزئية وتجاهل بقية المشاكل؛ فإن الطريق ستكون نحو المواجهة الداخلية وليس أمام الاحتكام إلى الشعب من خلال صناديق الاقتراع.
هناك الكثير مما يمكن عمله لتخفيف التوتر ومنع اتخاذ خطوات تصعيدية، مثل عقد مجلس وطني بمن حضر، أو إعادة تشكيل حكومة هنية، أو إجراء انتخابات في الضفة فقط، بحيث يكون التحرك على مسارات عدة، أهمها مسار استئناف الحوار لتطبيق وتطوير «اتفاق القاهرة»، وتذليل العقبات أمام إجراء الانتخابات المحلية، وتحسين شروط الحياة للفلسطينيين. وإن إهمال مسار من المسارات لا يساعد على تقدم المسارات الأخرى .
كل ما سبق يكون ناقصًا ما لم تنجح المبادرات الرامية إلى إنهاء الانقسام، وعلى رأسها «وطنيون لإنهاء الانقسام»، التي تعمل على استنفار حالة نهوض شعبي متراكم، حتى يكون قادرًا على فرض إرادة الشعب الفلسطيني بإنجاز الوحدة على حساب جماعات مصالح الانقسام هنا وهناك.