الإخوان المسلمون... نماذج ناجحة

حمادة فراعنة
حجم الخط

لا تختلف حركة الإخوان المسلمين، كحركة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة، عن أي حزب سياسي آخر مهما بدا يسارياً أو قومياً أو ليبرالياً، فالحزب السياسي، أي حزب سياسي تشكل من أجل الترويج لفكرة وتجنيد الناس حولها وصولاً لسلطة صنع القرار وفرضه، هكذا كانت الأحزاب الشيوعية، وهكذا كانت فكرة البعث، و»القوميين العرب»، والتحرير الإسلامي، وأحزاب ولاية الفقيه، وما زالوا، وليس «داعش» و»القاعدة» شاذين عن هذا الفهم وعن هذا التوجه والهدف.
الخلاف بين الأحزاب قبل وصولها إلى السلطة، يتركز حول مسألتين هما: 1- الفكرة أو العقيدة السياسية، و2- الأدوات المتبعة في الوصول إلى السلطة، ولكن بعد الوصول إلى السلطة ينفجر الخلاف حول كيفية إدارة الدولة، بالتفرد والأحادية أم بالشراكة مع الآخرين، وكيفية السماح للآخرين بالتعبير عن أنفسهم كمعارضة، وقد ثبت بالملموس القاطع أن الأحزاب في العالم العربي ليست ذات طابع ديمقراطي ولا تقر بالتعددية ولا تؤمن بها، وإذا حصل فهي مؤقتاً بهدف الوصول إلى السلطة، وبعدها يتم التسلط والهيمنة والتفرد والعداء للآخر، هكذا كانت الأحزاب الشيوعية في المعسكر الاشتراكي، وهذا هو أحد أسباب فشلها وهزيمتها في الحرب الباردة، وهكذا كان البعث بتجربتيه في سورية والعراق وعدم نجاحهما، وهذا هو سبب إخفاق القوميين في اليمن الجنوبي وزوال نظامهم.
الأخوان المسلمون ليسوا خارج المشهد وتجاربهم ليست أفضل حالاً، وإن كانوا، اليوم، يقدمون نموذجاً جديداً طور النمو والاختبار في كل من تونس والمغرب، فقد وصلوا إلى السلطة عبر الانتخابات في فلسطين، العام 2006، ولكنهم استولوا عليها منفردين من خلال انقلاب دموي في قطاع غزة، أطلقوا عليه «الحسم العسكري» في حزيران 2007، وما زالوا منفردين متسلطين مستأثرين بالسلطة لوحدهم طوال عشر سنوات فشلوا خلالها 1- في الحفاظ على تميزهم الجهادي حينما كانت حركة حماس فصيلاً جهادياً في مواجهة الاحتلال، ففشلت في مواصلة طريق الجهاد لاستنزاف الاحتلال بعد الانقلاب والاستيلاء المنفرد على قطاع غزة، 2- مثلما فشلوا في تقديم نموذج أفضل عن حركة فتح في إدارة مؤسسات السلطة، وباتوا، اليوم، أسرى تحكمهم وتسلطهم بالسلطة يدفعون ثمن الحفاظ على استمرارية بقائهم في إدارتها وتفردهم في قيادة قطاع غزة، وإذا كانت «فتح» أسيرة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال في الضفة الفلسطينية، فحركة حماس أسيرة لاتفاق التهدئة الأمنية مع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، واتفاق التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب تم بوساطة أميركية ورعايتها، واتفاق التهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب تم بوساطة مصرية ورعايتها منذ عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي في 21/11/2012، وتجدد في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014.
وسبق للإخوان المسلمين وتنظيمهم الأم أن تعاون مع نظام الملك فاروق، وفي نفس الوقت كان أحد المبادرين لتشكيل حركة الضباط الأحرار الذين نفذوا انقلاب الجيش في تموز 1952، بقيادة محمد نجيب، ولما اختلفوا مع عبد الناصر اتهموه بسرقة ثورة يوليو، ولذلك حاولوا اغتياله العام 1954، فرد عليهم بالعمل على شيطنتهم وتصفيتهم وإعدام قياداتهم، وعلى رأسهم سيد قطب ورفاقه العام 1966.
وهكذا نجد حركة الإخوان المسلمين مارست كل أنواع العمل السياسي والمسلح وصولاً إلى السلطة، بما فيها الاغتيالات السياسية ضد نظام الملك فاروق، وما زالوا في ليبيا وسورية والعراق واليمن متورطين بالعمل المسلح بكافة أشكاله وتلاوينه المشروعة وغير المشروعة، لتغيير الأنظمة والاستيلاء عليها.
في تونس والمغرب، تحرر فصيلا الإخوان المسلمين من تراث حركتهم الأم وتصرفوا كأحزاب سياسية تونسية ومغربية لها أجندات محلية وطنية وإن تمسكا بمرجعيتهما الإسلامية وحافظا على هامش واسع من الاجتهادات الإسلامية المنسجمة مع قيم العصر والتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وقبول الشراكة مع الآخر، وهذا سبب نجاحهما كحزبين سياسيين في تونس والمغرب، لم يكن هذا سهلاً فقد وجهت لهما سيول وعواصف فكرية وسياسية وعقائدية، سواء من قبل شخصيات من داخل الحزبين التونسي والمغربي، أو من اتجاهات إسلامية منافسة، تتهم راشد الغنوشي، مثلما تتهم عبد الإله بن كيران بالتخلي عن تراثهما الإخواني والدوس على قناعتيهما التاريخية مقابل البقاء في السلطة.
الإخوان المسلمون استفادوا من خبراتهم المتبادلة في البلدان العربية، وتقدموا في العديد من المواقع والأماكن وحققوا نجاحات بفضل وعي قيادات لها باع طويل في العمل السياسي، دفعتهم للتحرر من قيود إجرائية وقدموا نماذج ناجحة للمرجعية الإسلامية، كما سبق وفعل عبد الله نمر درويش مؤسس الحركة الإسلامية في مناطق 48 الفلسطينية، وسار على الطريق الفرع التركي من جماعة الإخوان، وها هم التوانسة والمغاربة من الإخوان المسلمين يسيرون على الطريق الناجح، ويتقدمون الصفوف، وها هو عبد الإله بن كيران يشكل نموذجاً يقدم قدوة «لإخوانه» في العالم العربي، وهذا هو المطلوب، هذا هو المريح، وهذا هو المكسب الذي تحقق ليس فقط للإخوان المسلمين بل للشعوب التي يعملون لها ومن خلالها وصولاً إلى السلطة.