بحسب التقارير المستندة لتسريبات رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية، فإنّ الرئيسة الأميركية المرجحة المقبلة، تؤيد أي عملية سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، حتى لو كانت زائفة. وتؤكد، بطريقة صريحة مثيرة للاهتمام، ما يعرفه الكثيرون من واقع استنتاجهم للسياسات الأميركية التي تهتم بعملية سلام أكثر مما تهتم بتحقق السلام حقاً.
نشرت وسائل إعلامية مختلفة أنّ وثائق "ويكيليكس" تشير إلى أنّه في الربيع الماضي من هذا العام، أرسل مستشار كلينتون للسياسة الخارجية جاك سوليفان، المرشح لموقع مستشار الأمن القومي إذا فازت كلينتون، رسالة إلكترونية تتضمن رابطا من صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارا عن تصريحه أثناء الحملة الانتخابية مناشدا مؤيديه القدوم للانتخابات، لأنّ "العرب يأتون قوافل للتصويت". وبينما يعلق سوليفان أنّ هذه "براغماتية غير مفاجئة" من نتنياهو، ترد كلينتون بعد سبع دقائق (ربما بعد قراءة المادة)، بأنّ اعتذار نتنياهو "بداية يجب استغلالها"، والأهم، أنّها تقول إنّ "عملية بوتمكين (Potemkin) أفضل من لا شيء".
و"بوتمكين" هي قصة مشهورة من التراث الروسي، تتعلق بزيارة الإمبراطورة كاترين الثانية إلى جزيرة القرم العام 1787، عندما قام عشيق الإمبراطورة غريغوري بوتمكين، الذي عينته حاكما لمنطقة القرم بعد السيطرة عليها وخروج العثمانيين منها، ببناء مدينة مزيفة (من واجهات) على النهر، ونشر بعض رجاله بزي الفلاحين، لترى الإمبراطورة المدينة (القرية) أثناء مرورها، باعتبارها من إنجازات بوتمكين.
بغض النظر إن كانت القصة قد حدثت فعلا في التاريخ، أم هي اختراع ومبالغة من خصوم بوتمكين، فقد باتت مثلا على إمكانية تزييف شيء كبير جداً، بحجم مدينة أو دولة.
ولسان حال كلينتون أنّ عملية سلام محكوم عليها بالفشل خير من لا شيء، ويمكن أن يكون لسان حالها أيضاً: دولة فلسطينية وهمية أفضل من لا شيء.
تكشف رسائل "ويكيليكس"، عن دور كبار المتبرعين لكلينتون ولحملتها الانتخابية، مثل الصهيوني حاييم سابان، وصهاينة أميركيين مثل مارتن إنديك، في محاولة التأثير في سياساتها وخطابها بشأن الموضوع الفلسطيني. وكيف علق السفير الإسرائيلي للولايات المتحدة رون ديرمر، على خطاب كلنتون بأنهّ جيد بنسبة 95 بالمئة، ولكنه توقف عند وصف كلينتون بأنّ "داعش" وعلمه الأسود بديل للرئيس محمود عباس، ولم تعجبه لغة المساواة بين "تحريض القيادة الفلسطينية على الإرهاب ضد الإسرائيليين ودعوة القيادة الإسرائيلية لوقف الاستيطان والعنف ضد الفلسطينيين".
بالبحث في الوثائق، نجد أنّ هناك رسائل لم تردّ عليها كلينتون، ولكن تدل بوضوح على معرفة الإدارة الأميركية تماماً بنوايا نتنياهو. فمثلا، في رسالة من موظفة في وزارة الخارجية، في 16 تموز (يوليو) 2010، إلى كلينتون (وعدد آخر من العاملين بالوزارة)، جاء خبر مع تعليق يقول: "أتوقع أن هذا سيكون له أثر كبير في المنطقة". والخبر عن شريط فيديو، مسجل العام 2001، من دون أن يعرف نتنياهو أنّ هناك تسجيلا، ويقول فيه إنّ طريقة التعامل مع الفلسطينيين هي "اضربهم، ليس مرة بل مرارا، اضربهم حتى تؤذيهم جدا، حتى يصبح الوضع غير محتمل".
لعل أول رسالة تقدمها هذه الوثائق أنّ الموقف الأميركي، وحتى الأوروبي الغربي، بما في ذلك ربما الفرنسي الذي يتصدى الآن لتنشيط المفاوضات، سيرضى جدا بأي عمليات تفاوض، مهما كانت فارغة المضمون، بل وسيشترك في تزيين وتزييف شعور بالجدوى، وقد يتواطؤون مع عمليات تعطي الفلسطينيين إحساساً بالتقدم وبناء دولتهم على غرار قرية بوتمكين الوهمية.
هذا الواقع يؤكد أنّ الفلسطينيين يجب أن يحددوا وبدقة ويطالبوا بوضوح متناهٍ، ما يريدونه ليخلق تغيير الواقع على الأرض، وليس الوعود الفضفاضة، والمؤتمرات والندوات واللقاءات والتصريحات المطاطة.
تقترب نهاية العام، وموعد المؤتمر الفرنسي الموعود، من دون مواقف دولية واضحة، ومن دون حتى خطة فرنسية أو دولية ذات معالم واضحة معلنة، لكيف ستسير عملية التسوية، وكيف أنّ مؤتمر باريس ليس مؤتمر بوتمكين.
هذا يؤكد أن البناء الحقيقي هو ما يضعه الفلسطينيون بأنفسهم. لذا، فالبناء الداخلي الفلسطيني، وإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، والنضال الميداني، هي الفعل الحقيقي الذي سيضطر السياسيين الغربيين للتوقف عن ألاعيب "بوتمكينية".
عن الغد الاردنية