ضحكت كثيراً عندما حادثتني صديقتي وقالت :" لقد سقط قلبي إلى أسفل قدمي , قبل دقائق من الخوف ,لم تنتظرني لأسألها ما السبب ,وأردفت, كنت أمام مراَتي وإذا بشعره من شعري يكسوها الشيب, وبعد تفقدي لبقية شعري عرفت أنه ليس شيباً , ولكنها الصبغة التي وضعتها في عرس أخي اختفت ,وتحولت شعرتي لهذا اللون الابيض لتعود لطبيعتها تدريجياَ.
قلت لها بعد ضحكة طويلة : ألهذا الحد شعرة واحدة تخيفك ,لماذا وماذا خطر على ذهنك وقتها؟
تنهدت قبل إجابتها:" صحيح أن عمري لم يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً ,لكني أشعر بأني على مشارف الستين , بسبب هذا الوضع الذي يزداد في ركوده , ولا يتقدم بنا خطوة نحو نوافذ الأمل.
انهالت في تساؤلاتها على مسامعي , وأنا شاردة بنظري إلى صفحتي في الفيس بوك.
ماذا حققت , ماذا فعلت بكل هذا العمر الذي مضى؟ لا شيء ,تراجع وحسرة على أيام تمر دون الوصول إلى هدفي؟
لم أرد عليها, لأن تدوينة أحدهم في الفيس بوك لفتت نظري , يحاصرها بين قوسين ,كانا أشبه بحصار غزة , الذي لا مفر منه إلا بضربة حظ تلقيك خارج أسوارها , أو الموت بضغط او سكتة قلبية لعدم تحملك أوضاعها الفقيرة من كل شيء إلا كرامة سكانها ,يقول فيها (وداعا غزة بلا عودة).
واَخر يستصرخ:" مشان الله طلعوني دراستي في خطر ومستقبلي يضيع.
نبض قلبي سريعاً وتخوفت وماذا عني ؟ماذا أفعل ,هم خرجوا منها ,وأنا لا زلت اكتب عنها وعني وعن غيرنا , ممن ينتظرون اتضاح مصائرهم .
وهي تواصل :"سترددين على مسامعي العمل موجود وأنا نائمة , كفلسفة البعض من المختصين بالتنمية البشرية, الذين يدونون لنا الخطوات كي ننتشي بالسعادة؟
وأنا أتمتم أي فلسفة تلك التي ألقيها على مسامعك, وهم رفسوا بوابة غزة بأقدامهم وكسروا الجرة وأقسموا ألا يعودوا ؟؟.
لم انتبه أن صدى تمتماتي تسللت إليها وأنا أسأل هل ولاة أمور هذا الوطن يدركون إلى ماذا أوصلونا؟؟
الشباب يهاجر ولا يشعر بالندم على تركه وطنه ؟ ومن تبقى يتمنى أن يصله الدور!
تواصل حديثها: خوفي من الشيب وأنا مكاني سيجعلني أشيب فعلاً.
ضحكت وقلت لها انتبهي على نافذتك في الفيس بوك صديقتنا تتحدث عن نفس موضوعك , وضحكت لأن نظرها كان قد استبقني على التدوينة .
تقول صديقتنا الصحافية يافا أبو عكر في تدوينتها :" نظرت إلى التاريخ سينتهي هذا العام , ولم أفعل شيء , ولم يتغير شيء , العمر يمر بلا جدوى , ورحلة البحث عن وطن , أو عن موطئ قدم رحلةٌ عالقة متعثرة , لا أستطيع الخروج من هذا المكان المقفر البارد.
في غزة الأرض تضيق , وتضيق لتتحول إلى مربع من عدة أمتار يدعى غرفة بأربعة جدران , وشرفة مطلة على مخيمٍ مغلق من كل الجهات كالمعتقل الجماعي , وفي الأفق بحرٌ مغلق على المستحيل ...
نكون , أو لا نكون , كيف سنكون في هذا المكان الميت ؟!..
قلت سنكون كشعر مُسِن بعد اختفاء الصبغة التي كانت تجمله , لكننا سنختلف لأن قلوبنا هي التي ستشيب, قبل أوانها بعد أن يرهقنا احتقاننا كل يوم بإبر الصبر قبل بداية يومنا ...
وقالت قبل ان تودعني : لاحظي كل فلسفتنا هذه رغم اشتراطنا ببداية حديثنا أننا مللنا فلسفة أخصائي التنمية البشرية .
تجاهلت ضحكاتها ولم أحول نظري عن حقنة الصبر التي ستساعدني على تحمل ركود بقية اليوم !
__________________________________
*عضو دائم في نقابة الصحفيين الفلسطينيين
nesrenpress_2004@hotmail.com