الحديث الإسرائيلي عن «التطهير العرقي» في العام 1948 .. دعاية مؤيدة للعرب!

Palestinian_refugees
حجم الخط

خسارة أن منتقدَي دانييل بالتمان وايهود عين – غيل لا يقرآن الامور بتمعن، اذا كانا أصلاً يقرآن ("هآرتس"، "نعم كان تطهيراً" 14/10؛ "ثنائية التطهير" 13/10).
لو كان بالتمان قرأ كتابي "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947 – 1949"، الذي صدر في انجلترا في العام 1988 وبالعبرية في العام 1991، وفي صيغة موسعة بالانجليزية في العام 2004 لكان لاحظ بأن آرائي عن تاريخ 1948 لم تتغير على الإطلاق. هكذا أيضا استنتاجاتي بالنسبة لتشكل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الكتب آنفة الذكر، وكذا في كتابي "1948" (الذي صدر بالانجليزية في 2008 وبالعبرية في 2010). بعض الفلسطينيين طردوا (في اللد والرملة مثلا)، بعضهم أُمروا أو شُجعوا من قياداتهم على الهرب (في حيفا)، ومعظمهم هربوا خوفا من الأعمال العدائية، وعلى ما يبدو ايمانا بأن يعودوا إلى بيوتهم بعد الانتصار العربي المرتقب. وبالفعل، تبنت حكومة إسرائيل في حزيران 1948 ولاحقا سياسة منع عودة اللاجئين، أولئك الفلسطينيين الذين قاتلوا ضد الحاضرة وحاولوا تخريبها.
بخصوص تغيير آرائي: رأيي تغير أثناء التسعينيات بشأن أمر واحد فقط: استعداد الفلسطينيين للتوصل معنا الى سلام. في بداية التسعينيات اعتقدت بأنه ربما تغير شيء ما في الحركة الوطنية الفلسطينية، وهم مستعدون ليعترفوا بالواقع وان يتوصلوا الى الحل الوسط: دولتان للشعبين؛ ولكن في العام 2000، في ضوء "لا" ياسر عرفات في كامب ديفيد (والتي أسندها محمود عباس) وفي ضوء الانتفاضة الثانية ومميزاتها، فهمت بأن وجهتهم ليست السلام. لاسفي، الوضع لم يتغير منذئذ.
في 1947 – 1948 لم تكن ثمة نية مسبقة او خطة لطرد العرب، ولم تكن هناك سياسة طرد اثناء الحرب. يوجد "مؤرخون" كارهون لاسرائيل بوضوح مثل ايلان بابيه ووليد الخالدي، وربما أيضا دانييل بالتمان، رغم أقواله، ممن يرون في "الخطة د" لـ"الهاغناة" في 10 اذار 1948 خطة كبرى لطرد الفلسطينيين، وهي ليست كذلك. فلو أن بالتمان وعين – غيل قرآ الخطة – التي نشرت على الملأ في السبعينيات – لرأيا، منذ التوطئة، بانها تستهدف رسم استراتيجية وخطوات لألوية "الهاغناة"، لترسيخ سيطرتا على المحاور المركزية للدولة اليهودية التي على الطريق وحدودها، انطلاقا من توقع غزو عربي مخطط له مع خروج البريطانيين من البلاد. وقول بالتمان ان "الخطة د"، "بحثت في نية طرد أكبر قدر ممكن من العرب من اراضي الدولة اليهودية المستقبلية" هو تزييف مغرض. فهذه أقوال دعائي مؤيد للعرب، وليس مؤرخا.
تتضمن الخطة تعليمات عامة للألوية والكتائب المختلفة حول السلوك تجاه بلدات قروية عربية واحياء عربية مدينية. بالنسبة للقرى مكتوب صراحة طرد وإبادة القرى التي تقاتل اليهود، ولكن ابقاء القرى الحيادية أو الودية على حالها (ومرابطة وحدات عسكرية فيها). وبالنسبة للاحياء العربية في المدن المختلطة، أُمر قادة "الهاغناة" الميدانيون بنقل السكان العرب في الاحياء الهامشية الى المراكز العربية لتلك المدن (حيفا وما شابه)، وليس الى خارج الدولة.
بكلمات اخرى، لا توجد هنا خطة وسياسة "لطرد العرب"، مثلما يدعي بالتمان وعين – غيل حول الوثيقة. يقتبس عين – غيل من الوثيقة فقط الجمل المتعلقة بخيار الطرد – وليس الجمل التي توجه قادة الكتائب والالوية لإبقاء السكان العرب في أماكنهم. وبالمناسبة، فان وصف عين – غيل لاحتلال قرية قباب – بمنازلها الفارغة بعد أن فر سكانها ببساطة – ليس بالضبط وصف تطهير عرقي عنيف ووحشي. وتساؤلاته في مسألة ماذا كان اليهود سيفعلون لو كانوا وجدوا عربا داخل المنازل لا تشهد على أنه نفذ تطهير عرقي في 1948. كما أنه، في الارض التي نقلت لإسرائيل في اعقاب توقيع اتفاق الهدنة مع الاردن في 1949، نقل الى اسرائيل نحو نصف عدد السكان الفلسطينيين الذين يذكرهم عين – غيل.
وينبغي أن يضاف الى ذلك أنه لو كانت هناك خطة كبرى وسياسة "لطرد العرب"، لوجدنا صدى لذلك في الاوامر العملياتية المختلفة للوحدات المنفذة، وفي تقارير الوحدات الى القيادات ("نفذنا الطرد بناء على "الخطة الكبرى" أو "الخطة د") – ولا يوجد ذكر كهذا على الاطلاق. في عشرات آلاف الوثائق العملياتية لـ"الهاغاناة" /الجيش الاسرائيلي من الاشهر موضع البحث (نيسان – حزيران 1948) لم أجد سوى ذكر واحد لتنفيذ عملية حسب "الخطة د" (في حملة ما للواء الكسندروني، كما يخيل لي، إذ إني أتواجد في الخارج والوثيقة ليست أمامي في هذه اللحظة). وكما هو معروف، فقد بقي عشرات آلاف العرب في أراضي الدولة اليهودية مع نهاية الحرب – في حيفا، في يافا، في جسر الزرقاء وفي الفراديس وفي ابو غوش وعين نقوبا، في الجليل وفي النقب.
بالفعل قلت، انه في نيسان – حزيران 1948 كانت في الحاضرة وفي صفوف "الهاغاناة" "أجواء ترحيل"، والأمر مفهوم في ضوء الظروف: الهجمات المتكررة منذ أربعة اشهر من قبل الميليشيات الفلسطينية، وتوقع الغزو القريب للجيوش العربية، والذي يستهدف إبادة الدولة اليهودية التي على الطريق، بل ربما سكانها أيضاً. كل هذا كان يستوجب احتلال وابعاد القرى التي كمنت وقنصت وقتلت اليهود على طول الحدود وعلى طول المحاور الرئيسة. ولم تسمح الظروف باجراء فحوصات دقيقة للافعال والنوايا والآراء لكل قرية وقرية (بالتمان وعين – غيل يعتقدان، على ما يبدو، بان هكذا كان ينبغي إدارة حرب في مناطق مبنية بالوسائل التي كانت تحت تصرف الحاضرة في 1948). ولكن، كما كتبت، فان الغالبية الساحقة من العرب هربوا.
ليس صحيحا انه "في بداية طريقي" قلت، ان "اسرائيل تتحمل المسؤولية عن الهرب الجماعي للفلسطينيين في 1948". دوما ادعيت بان المسؤولية تتوزع بين الحاضرة/ اسرائيل، الفلسطينيين والدول العربية – حيث ثمة مسؤولية ثقيلة ملقاة على الفلسطينيين الذين بدؤوا المعركة.
لست خبيرا في التطهيرات العرقية في العالم (أفترض أن القليل من الناس يرون في بالتمان خبيرا كهذا)، ولكني بالتأكيد افهم قليلا في الموضوع. في حالة الصرب في يوغسلافيا، تبنت بلغراد مسبقا سياسة تطهير عرقي وطبقتها بشكل منهاجي وفي صربيا ذبحوا في يومين في العام 1993 ما مجموعة 9 آلاف مسلم، وفي أماكن مختلفة اغتصبوا آلاف النساء بشكل منظم. إذا كانت هذه هي مزايا "التطهير العرقي" – فلم ينفذ تطهير عرقي في "بلاد اسرائيل" في مرحلتي الحرب التي بدأها العرب. وبالمناسبة، في الموضوع الذي أختص فيه بالفعل – بالتمان مخطئ. صحيح أنه في نهاية الحرب العالمية الاولى بقي عشرات آلاف الارمن في آسيا الصغرى (بالتمان يطرح الموضوع كي يلمح بالتوازي الى العلاقة بين قتل الشعب الارمني وتهريب عرب "بلاد اسرائيل" في 1948)، ولكنهم كلهم، حتى آخرهم تقريبا، قتلوا وطردوا في المرحلة الثالثة من قتل الشعب الارمني، في 1919 – 1924 (وهذا بالتأكيد جديد بالنسبة لـ"الخبير" بالتمان).
من يقرأ بالتمان لا يمكنه ألا ينتبه الى انه بشكل غير مباشر وبالتلميحات يشبه أيضا ما فعله هتلر لليهود بما فعلته الحاضرة لعرب "بلاد اسرائيل". بل انه يشير – مرة اخرى، بطريقة داهية – الى التوازي بين افعال الحاضرة وبين افعال الألمان في جنوب غربي افريقيا في بداية القرن العشرين، حين قتلوا عشرات آلاف الاصليين من قرية هرارو. هذه التشبيهات ليست أخلاقية وتشير الى نية دعائية والى تأريخ غير جدي.
شيء أخير، بالتمان يصفني كـ"عزيز اليمين الاستيطاني". الرجل وقح. دوما عارضت مشروع الاستيطان في "يهودا" و"السامرة" وفي قطاع غزة، وأنا لا أزال أعارضه.

عن "هآرتس"